أهم الاخبار

مجلة نداء الرؤح لفرسان الكلمات رئيسة مجلس الادارة الأستاذه نداء الرؤح )

الجمعة، 11 يناير 2019

صراحة مطلقة بقلم أمل الياسري


صراحة مطلقة..
في زاويةٍ قذرةٍ من الزقاقِ، هناكَ صراعٌ بينَ أمزجةِ الغبارِ، ومهنةُ أبٍ دمويٍّ نامَ على وجهِ الأرضِ، أكلَهُ الصدأُ وكتبَ لوحتَهُ بلا وعي، ولا جنودَ على أرضِ الميدانِ، سوى عائلةٍ بائسةٍ بطلتُها أمُّ الصبيانِ السبعةِ، ونشيدٌ شريدٌ يستجدي أبوابَ السؤالِ، فهم لا يحصلونَ على غذاءٍ كافٍ، ويعيشونَ عذاباتٍ دائمةً، بأحمالِ خيولٍ تنزفُ حرقتُها فوقَ محجري عينيها الذابلتينِ.
قالَتِ الأمُّ لولدِها الأكبرِ: أجلبْ أباكَ من ذلكَ الزقاقِ اللعينِ، فلا زاويةَ منفرجةَ لمحنتِنا، ولا زاويةَ مستقيمةً لمسيرةِ أبيكَ واللهُ المستعانُ، أجابَها ببرودٍ: لنْ أذهبَ.
قالَ الأبنُ الثاني: أنا سأذهبُ لكنْ أينَ أجدُه؟ فهو زاحفٌ مغمورٌ يوزعُ الأحلامَ عليهنَّ، ومع أنَّ واقعَهُ الهزيلَ لا يليقُ بنا لكنْ لا تجزعي، سأحضرُهُ من دائرةِ الحمقى الملاعينَ، الذينَ يرافقُهم منذَ سنينَ عجافٍ. 
قالَ الولدُ الثالثُ: سأبكي لدخولِ أبي النارَ فذاكرتي قويةٌ، يومَ رأيْتُ ملامحَهُ مشبعةً بالكراهيةِ ليضربَكِ، وكأنَّهُ يلوكُ عنقوداً من اللذةِ والمتعةِ!
قالَتِ الامُّ : ظهري ليسَ سفينةَ نوحٍ، وأبوكم صندوقٌ مشوهُ الولادةِ، فالخمرُ والنساءُ والعنفُ يأخذَنَّ لبُّهُ بالكاملِ، واختلقَ لنفسهِ عدواً وهمياً وهوَ (نحنُ)! المهمُ أنْ نحمدَ اللهَ على كلِّ شيءٍ.
قالَ الابنُ الرابعُ: أماه.. بصراحةٍ مطلقةٍ، أولُ جرحٍ في وجهِكِ، والمطرُ الذي هطلَ من عينيكِ، كانَ لكِ الحقُّ بعدَهما، في أنْ تتكونَ عندَكِ الجرأةَ، لتختاري حياةً أخرى، لكنكِ تمارسينَ طقوسَ إمرأةٍ لا تنامُ أبداً، فمحرابكِ (نحنُ) وما يهُّمكِ هو منحُنا رغيفٌ بلونِ الشمسِ، لنعيشَ دفئاً خارجَ المألوفِ.
قالَ الإبنُ الخامسُ: مع يومياتِ الحربِ الدائرةِ في بيتِنا، شعرْتُ بالحاجةِ الى أنْ أكتبَ روايةً عن وطنٍ مفقودٍ وحضنٍ مسروقٍ، لأنَّني لا أتذكرُ منظرَ أبي إلا في السجنِ الملعونِ، بسببِ مشاجرةٍ مع صديقِ سوءٍ تافهٍ، ولعبةُ الغيابِ كانَ يمارسُها معكِ بإحترافٍ عالٍ.
تحسّرَ الإبنُ السادسُ وقالَ: أبي سيءٌ، ولم أستطعْ أنْ أكرهَهُ، لكنَّهُ أرادَ إخباري بطريقتِهِ أنَّهُ وقعَ ضحيةً!
بادرَتْهم الأمُّ قائلةً: أفترضُ أنَّي أخطأتُ في مشاركةِ حياتي، مع رجلٍ فشلَ ثلاثَ مراتٍ ليكونَ صالحاً، أولُها عندَما قالَ: لا املكُ الوقتَ لأكونَ والداً ربيَّهم أنتِ، والثانيةُ حينما تركَكم دونَ دراسةٍ تُذكر، والثالثةُ يومَ تركَني تحتَ الشجرةِ مع طفلي المعاقِ، وهو يداعبُ السماءَ وكأنَّهُ يرنو صوبَ الجنةِ، ورجوتُهُ ألا يحرمَ الآخرينَ من الأملِ، فتلقفتْني أيدي الرحمةِ وأنقذَتْهُ رغمَ إعاقتَهُ.
زحفَ الطفلُ السابعُ المعاقُ على ركبيتهِ ليفتحَ بابَ الدارِ، فإذا بلوحٍ كبيرٍ والوالدُ محمولٌ عليهِ دونَ حراكٍ، فصرخَ ضاحكاً: أمي.. أمي.. لقد ذهبَ أبي الى النارِ! لقد طُعِنَ الوالدُ إثر صراعٍ مع رفاقهِ حولَ بائعةِ هوى، كانَتْ تستنزفُ دنانيرُهُ البائسةِ.
تجمعَ الأولادُ حولَ أبيهم بصمتٍ ناتجٍ من صدمةٍ، وفي عالمٍ مثقلٍ بالهمومِ، تدافعَتِ الأمُّ وسطَهم لتخاطبَهُ بلوعةٍ: تكراراً ومراراً حاولْتُ إخباركَ، إِنَّ إهمالَكَ لأشيائِكَ القيّمةِ سيعرضُكَ للتلفِ والضياعِ! كمْ يمزقُني ذلكَ الشعورُ، بأنَّي لم أستطعْ منعكَ من إعلانِ حالةِ الطوارئ في بيتِكَ دائماً، وجوالكَ التافهِ اللعينِ الذي تخافُهُ دائماً، سيكونُ في الدركِ الأسفلِ من النارِ.
يا أنتَ: لم يعدْ للأمرِ أهميةً، في النهايةِ حصدْتَ ثمارَ نيتِكَ، وأولادُكَ رغمَ جهلِهم سيقطّعونَ حبالَ الوجعِ، (وحينَ يكونُ الأملُ باللهِ موجوداً فلا مكانَ للمستحيلِ)...
أمل الياسري/ العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.