فتاة العاصفة سوسو
لم تكن الرحلة مأمونة العواقب ، فالرياح تشتد
على فترات ، المطر يقذف بحبائله بشتى الاتجاهات ، الأشجار تنوء تحت وطأة
عجزها عن مقارعة العاصفة ، لقد أخبرونا منذ ثلاثة أيام بأنها العاصفة (
سوسو ) ... ياله من اسم جميل مثير ، ابتسمت كثيرا عندما قرأت الخبر ،
فكثيرا من الأخبار تكون ( ملفقة ) وقد اعتدنا على تلفيق التهم لبعضنا البعض
، لعل هذا ما جعلني أعيد ابتسامتي مرة أخرى ولعلها تحولت إلى ضحكة عريضة
يشوبها الكثير من التشاؤم في بعض اللحظات .
إذن الدراجة لم تعد هنا ، والموعد
لم يلغ حتى الآن ، علي تحمل المخاطرة ك جندي يسير بقدميه نحو واد لايعرف
ماذا يخبئ له من مفاجآت ، ك عصفورة تخاطر بروحها للذهاب بعيدا بحثا عن بعض
الطعام لصغارها في ذلك العش المختبئ بين غصنين كبيرين على متن شجرة شابة .
ارتديت كل مالدي من ملابس ( شتوية وصيفية ) ، نسيت مظلتي السوداء ، وعندما
عدت لإحضارها تذكرت بأنها ( مثقوبة ) ... ياله من حظ عاثر ، حتى أنت أيتها
المظلة تأبين حمايتي من هذه العاصفة ال ( سوسوية ) !!! ...
لا يهم ،
سأذهب حالا إلى شجرة الجوز ، فهي بانتظاري بكل تأكيد - أقصد الشجرة - أما
فتاتي فلست أدري إن كانت ستغامر بالحضور أم أنها ستبقى جانب المدفأة .
الطريق أصبحت وعرة جدا ، الأمطار لم ترحم مسيرتي ، حتى سوسو استمرت في غليانها غير مكترثة بجسد نحيل لا يقوى على مقارعتها .
لابد من شيء ما يسليني في ذاك الدرب الموحل ، والموحش معا ، فكنت أردد
كلمات فيروزية لازالت عالقة في ذاكرتي منذ سنوات طويلة : ( رجعت الشتوية
... ومعها سوسو الحلوة القوية ) ، ضحكت كثيرا وأنا أردد كلمات الأغنية التي
اختلطت مع كلماتي العشوائية ، وقت ليس بالقصير يمضي ، المسافة تقترب حينا ،
وتطول حينا آخر ، ومابين هذا وذاك أركن إلى زاوية كي أستريح قليلا .
مرت الدقائق متثاقلة أكثر مما يجب ، وكأنها عجوز تجاوزت التاسعة والتسعين
من عمرها ، شجرة الجوز ترتدي حجابا صلدا خشية العاصفة ، العصافير التي
اعتدت أن أراها هناك لم تكن في مكانها .
( كم أنت قاسية يا سوسو ) ، قالت شجرة الجوز ، فضحكنا معا هذه المرة ، الباص لم يأت ، الطريق شبه مقفرة ك صحراء لانهاية لها .
قبل أن أقرر الرحيل كتبت في صفحة ما في دفتري الرمادي : ( هل يمكن أن يموت الإنسان مرتين ) ... ثم أسدلت الستارة ...
وليد.ع.العايش
٢ / ٣ / ٢٠٢٠ م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.