مسرحة الإرهاب عبر العصور(المقـــال الأول)
بقلم د/طــارق رضــوان جمعه (مصــر)
تعريف الأدب يبدأ بأن :" الكلمة مختلفٌة في أصولها وتطورها، قيل إنها من الأدب بمعنى الدعوة إلى الولائم، أو مفرد الآداب – جمع دأب – بعد قلبها إلى آداب، وتدل على رياضة النفس على ما يستحسن من سيرة وخلق، وعلى التعليم برواية الشعر والقصص والأخبار والأنساب، وعلى الكلام الجيد من النظم والنثر وما اتصل بهما ليفسرهما وينقدهما.
وهنا ينشأ السؤال: لماذا نقرأ الأدب؟ إننا نقرأ الأدب للمتعة في المقام الأول. والمتعة قد تتخذ أشكالاً مختلفة. فمن الناس من يقرأ الأدب لتزجية أوقات الفراغ، ومنهم من يُقبل عليه ابتغاءَ الفرار من عالمه الذاتي وولوج عوالم الآخرين. ثم إننا كثيراً ما نقرأ الأدب طلباً للمعرفة والاطِّلاع؛ فنحن نجد متعة في التعرف إلى حياة الناس في بلد معيّن أو منطقة معينة؛ وما أكثرَ ما نجد الحلول لمشاكلنا الشخصية حين نلتقي على صفحات الكتب أناساً تشبه مشاكلهم مشاكلنا إلى حد قريب أو بعيد، وما أكثرَ ما يساعدنا الأدب على فهم مواقفَ عَجزْنا عن فهمها في الحياة الواقعية... ولكن لماذا ينشئ الأديب أدبه؟ إن من الأدباء من يفعل ذلك لمجرد التعبير عن عواطفه وأفكاره أو لمجرد الرغبة في إنتاج أثر فني، ولكن كثرة الأدباء اليوم تتخذ من الأدب وسيلةً لتحليل النفس البشرية أو منبراً للنقد الاجتماعي والدعوة إلى الإصلاح أو الثورة. ويُقسم الأدب، تقليدياً، إلى «نثر» و«شعر» والنقاد الغربيون يقسمونه إلى «تخييل» أو «أدب تخييليّ» fiction، و«لاتخييل» أو «أدب لا تخييليّ» nonfiction. ويشمل الأدبُ التخييليّ الروايةَ novel، والأقصوصة أو القصة القصيرة short story، والأدب المسرحي drama، والشعر poetry. ويشمل الأدب اللاتخييليّ المقالةَ essay، والسِّيرة biography، والسِّيرة الذاتية autobiography، والنقد الأدبي literary criticism، وغيرها.
ليس من السهولة بمكان أنْ نكتب عن المسرح والإرهاب ، ذلك أنَّ العلاقة بين الأثنين تبدو بعيدة من حيث الشكل والمضمون ، ورب سائل يسأل ، هل هناك علاقة بين المسرح والإرهاب. لم يخطر ببال أحد من قبل ، أننا سنتطرق إلى موضوع المسرح والإرهاب ، ولكنْ للضرورة أحكام ، فالأرهاب فرض نفسه على الحياة برمتها ، فما بال المسرح. وبات من الضروري الكتابة في هذا الموضوع ، ليعرف المتابع طبيعة العلاقة بين المسرح والإرهاب.
في القرآن الكريم ينصرف معنى الإرهاب الى ما ورد في الآيات القرآنية التي تأتي بمعنى الفزع والخوف ، والخشية ، والرهبة من عقاب الله تعالى ، فقد ورد في قوله تعالى ((وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكُم وإياي فارهبون)) وجاء ((إنما هو اله واحد فإياي فاْرهبون)) وورد ((إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين))
كما يأتي الإرهاب في القرآن الكريم بمعنى الردع العسكري فقد ورد ((ترهبون به عدوا الله وعدوكم وآخرين من دونهم)) وجاء أيضاً ((واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيم)) أما في اللغات الأخرى فان الإرهاب يأتي بمعنى رعب (terror) وتعني خوفاً ،أو قلقاً متناهياً أو تهديد غير مألوف وغير متوقع ، وقد أصبح هذا المصطلح يأخذ معنى جديد في الثلاثين عاماً الأخيرة ويعني إستعمال العنف وإلقاء الرعب بين الناس.
فمنذ الخليقة والإنسان يعيث في الأرض فساداً، وسفكاً للدماء، ولعل ذلك ما دفع الملائكة الى القول ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)) وفي التاريخ العربي الإسلامي انتشرت بعض مظاهر العنف المنظم، والذي برز من خلال الاغتيالات السياسية فقد اغتيل الخليفة عمر بن الخطاب ، والخليفة عثمان بن عفان والإمام علي بن أبي طالب، والحسن بن علي على يد الخوارج وهي جماعة إرهابية منظمة كانت تهدف إلى تحقيق غايات سياسية. كما انتشر في بعض مراحل التاريخ العربي ما يمكن أن نطلق عليه بإرهاب الدولة والذي تجلى بأعمال القتل والسبي أبان الحكم الأموي ، كما عرف عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه كان يعرض جثث المقاتلات من الخوارج عارية في الأسواق لردع النساء من الانضمام إليهم.
أما الإرهاب بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية الممتدة بين الأعوام 1789 إلى 1799 والتي يصفها المؤرخون بـفترة الرعب، فلم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي فحسب، بل طال الرعب الشريحة الارستقراطية الأوروبية عموماًوالتي أدت الى قتل أكثر من أربعين ألف إنسان.
كما أنَّ الأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين، ومجازر الصرب في كوسوفو، والبوسنة، والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين، وتنتشر في الوقت الحاضر العديد من التنظيمات الممولة بشكل جيد والقادرة على التخطيط والتنسيق فيما بينها لتكون خصماً للدول الكبرى، والتي تستعمل الخطاب الديني في حشد المؤيدين لها.
يؤكد العديد من الأدباء والمثقفين على خطورة الإرهاب الذي أصبح غول هذا العصر يأكل الأخضر واليابس ويعود بالمجتمعات المتحضرة إلى أتون العصور السحيقة، ويكشف عن الوجه القبيح في مصادرة الأفكار والإبداع والرأي الأخر، مشيرين إلى أن انعدام الأمن وعدم الاستقرار وسوء الأحوال هي في الأصل مشكلة ثقافية تعود بجذورها إلى المفاهيم الثقافية، فعندما أهملنا الثقافة خرج إلينا العديد من الشباب المتطرفين الذين يحملون أفكاراً تنبذ المجتمع وتنبذ فكرة التعايش والسلم الاجتماعي.
علاقة المسرح بالإرهاب:
لإنَّ المسرح يدعو إلى الفضيلة، كان وما يزال يشكل الوجه الحقيقي للمجتمعات الحضارية المتمدنة والبدائية البسيطة على حدٍ سواء. ، وحتى فترة القرون الوسطى التي حاربت المسرح، ما أنْ سارعت بعد حين لإستقطاب المسرح واستثماره في الدعوة التبشيرية، وذلك لإيمانهم المطلق بأهمية دور المسرح في نشر الثقافة، والمعرفة، والعلوم، والأديان. ودليلنا في ذلك، أنَّ الطقوس الدينية، والأحتفالات، والمراسيم، والطرق التمثيلية في تقديم القرابين للآلهة والأحتفال بهم التي حصلت في الحضارة اليونانية، كانت ذاتها تحصل في الحضارة البابلية والفرعونية باختلاف المسميات، وهذا دليل واضح على أهمية المسرح في المجتمعات الإنسانية.
المسرح هوباختصار تعبير عن جميع القيم والمعاني والأفعال الإنسانية. ، وبالتالي فأنَّ المسرح يسعى لقديم الأفعال التي تمر بها الإنسانية، وهذه الأفعال بطبيعتها إيجابية وسلبية، ومن تلك الأفعال التي اجتاحت الإنسان من قبل، وما زالت تمارس أنتهاكها للقيم الإنسانية هو فعل الإرهاب، والإرهاب بمعانيه المتعددة كان حاضراً في مسيرة المسرح من بدايته إلى يومنا هذا، فالإرهاب بوصفه خوفاً، وفزعاً، وانتهاكاً، تناوله المسرح وأدانه بأشكاله المتعددة، لأنَّ المسرح هو المتصدي والمدافع لإرساء الفضيلة وتحقيق حقوق الفرد، وعلى سبيل المثال لا الحصر أول ما تناول الإرهاب في المسرح الكاتب اليوناني (يوربيدس) في مسرحيته (نساء طروادة) التي تحدثت على سبي النساء اللواتي حضرن (الكسندرا) و (هيلين) و (أندروماك)، وما فعلته الحروب من سبي الأسيرات والإرهاب الذي مورس بحقهن، فكانت تلك من العلامات المهمة بإستثمار موضوعة الإرهاب وإدانته من قبل المسرح.
وأغلب مسرحيات شكسبير جاءت إدانة للإرهاب ودعوة للفضيلة والحب والأمان، ففي مسرحية (ماكبث) هذا الطامع وهذا الأرهابي النزعة بحبه للسلطة، وغدره، وقتله الملك (دنكن) برفقة زوجته (الليدي ماكبث)، كان يبحث عن السلطة بإستعماله شر الطرق للوصول إلى مبتغاه، لكنه أدرك فيما بعد أنَّ جلَّ ما يسعى إليه الإنسان هو فضيلة الأمان، إذ يقول: ليس العبرة في أنْ تكون ملكاً بل العبرة في أنْتكون آمناً، وهذه الفضيلة التي سعى اليها (شكسبير) هي عكس الإرهاب حيث الفزع والخوف، بينما دعى (شكسبير) إلى الأمن والأمان.
وكذا الأمر حصل في مسرحياته الأخرى مثل (تاجر البندقية)، إذ يذهب اليهودي (شايلوك) لإرهاب (أنطونيو) والمجتمع بأسره وهو يروم أسترجاع قرضه من (أنطونيو) بأخذ ثلاث أرطال من اللحم من قلبه بناءاً على الأتفاق السابق بينهم، لكن روح المسامحة وروح المحبة هي التي تغلبت في نهاية المطاف.
أما في مسرحية (روميو وجوليت) الذي طغت المحبة والتضحية والإثار على كل أنواع الكره والبغض والعداوة والشر والكراهية، فكانت عنواناً للمحبة والأمان، والمسرحية هذه ظلت ترخي بظلالها على جميع المجتمات الإنسانية، حيث قدمت مسرحية (روميو وجوليت) بطرق وأشكال متعددة، وجميعها يحارب ويتصدى للإرهاب بكل أنواعه
ومن الجدير بالذكر أنَّ أغلب الفرق المسرحية التجريبية الحديثة العالمية جعلت من المواضيع السياسية، ومعاناة الشعوب، والخوف، وعدم الأمان الإجتماعي والسياسي، عنواناً لتجاربهم، أمثال فرقة المسرح الحي لـ(جوديث ملين)) وفرقة المسرح المفتوح لـ(جوزيف شايكن) والمسرح البيئي لـ (ششنر) فرقة مسرح الخبز والدمى لـ(بيتر شومان) ومسرح الواقعة لـ(جون كيج)والمسرح الثالث لـ( يوجينو باربا) وفرقة مسرح الشمس الفرنسية لـ(أريان مينوشكين) التي قدمت مسرحية (1789) والتي تتحدث عن الثورة الفرنسية وما أعقبها من إرهاب كبير، حيث قدمت المسرحية بمكان مفتوح، وإستعملت (مينوشكين) عدة وسائط مثل الدمى والمايم والمسليات والمشاهد الموسيقية والحوار التقليدي
بعد 2003 فقد أختلف تصدي المسرح للمواضيع الإنسانية، وفي مقدمتهم الخوف والرعب، فلم يعد الخوف من السلطة كبيراً، وأنفتحت الحريات في تناول الموضوعات، حتى قدم (جواد الأسدي) مسرحيته تأليفاً وإخراجاً (نساء في الحرب) التي مثلتها (شذى سالم) و (آسيا كمال) لتتطرق لموضوع الإرهاب الذي حلَّ في العراقيين وبحثهم الدائم إلى الأمن والأمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.