أهم الاخبار

مجلة نداء الرؤح لفرسان الكلمات رئيسة مجلس الادارة الأستاذه نداء الرؤح )

الأحد، 23 سبتمبر 2018

عفوا حبيبتي بقلم الاستاذ مصطفى دهور

* إخواني القراء الأعزاء سلام الله عليكم !
أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم وتلقى تشجيعاتكم

/ عفوا حبيبتي /
كنت أمتطي الطرامواي لأذهب إلى العمل. لم يكن هناك ركاب كثيرين ، بحيث كانت كراسي عدة فارغة. جلست وأنا أنظر إلى الساعة ؛ كان الوقت فعلا قد داهمني ، أنا الذي لا أحب أن أصل متأخرا إلى العمل. لم أنتبه ، لقد كانت تجلس بجانبي فتاة من أجمل ما خلق الله في هذا الكون ! ألقيت إليها نظرة مختلسة وأنا أقول ، وكأني أحدث نفسي " سبحان الله ! وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ! "
سمعت الفتاة ماقلت ، رغم أن صوتي كان خافتا جدا ، فنظرت إلي بغرابة وهي تبتسم ؛ ابتسمت أنا أيضا ، لكني لم أضف شيئا.
لن أطيل عليكم ، لقد شاءت الأقدار أن نلتقي بعد ذلك ونتعارف ، ثم أتقدم ، بعد مضي أقل من ثلاثة أشهر لخطبتها. لقد كان حبنا حقيقيا ومثاليا.
وجاء اليوم الموعود ! جاءت ليلة الزفاف بأفراحها ومسراتها ! آه لو كنتم تعلمون مدى سعادتي وأنا أدخل بالمرأة التي غيرت كل حياتي ، والتي أحبها قلبي بشغف ! لكن سرعان ما ستختفي هاته السعادة ليحل محلها الغضب والإنفعال : لقد كانت صدمتي كبيرة جدا وأنا أكتشف أن زوجتي لم تكن بكرا ! خيم صمت رهيب علينا لأكثر من عشر دقائق وجدتني أختلق فيها الأعذار وأحاول أن أقنع نفسي بأنها ، ربما كانت ضحية تهور أحد أفراد العائلة ، كابن العم أو ابن الخال مثلا ، ولم تكن قد تجاوزت بعد سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمرها ؛ أو لربما كانت ضحية اغتصاب ، كما نسمع كل يوم ، أو نقرأ في الجرائد .. فسألتها : كيف ضاعت منك بكارتك ؟ انفجرت ضاحكة وهي تقول : عفوا ياأخي ، لم أكن أعلم أنك بهذا الغباء ! نحن في القرن الواحد والعشرين .. لقد مضى زمن البكارات ! ثم استدركت تقول : ألا يكفيك أني أصبحت لك وحدك ؟
مضت بضعة أيام على زواجنا استطعت أن أقنع خلالها نفسي بأن زمن البكارات قد ولى فعلا ، وأنه من الغباء أن أطلب أكثر مما هو متوفر !
ذات يوم ، أحست بألم يقطع أمعاءها ؛ وبعد صبر طويل ، وجدنا أنفسنا مضطرين لزيارة الطبيب الذي قال لي ، بعد الكشف عليها : أأنت زوجها ؟ قلت نعم ! قال لي : لاتقلق ، فالجنين يتمتع بصحة جيدة ! - ماذا ، الجنين ؟ - نعم ياأخي ، ابنكما ! - ابننا .. أتريد أن تقول بأن زوجتي حامل ؟! - كيف ، ألم تكن تعلم بذلك ؟ ارتبكت قليلا ، ثم قلت : لا .. كل مافي الأمر أني كنت مسافرا لبضعة شهور ، ولم أعد من السفر إلا اليوم .. نظر إلي وهو يبتسم ، ثم قال : أبشر ياأخي ، فزوجتك حامل في الشهر الثالث. - في الشهر الثالث ؟! - نعم. سأعطيكم بعض المقويات من أجل الطفل ، لكن أوصيك يامدام ، لابد أن تكون الراحة شاملة ، فسلامتك تأتي في المقام الأول !
ماهذا يارب ! زوجتي تحمل في بطنها ابنا غير شرعي ! ولم لم تقل لي أي شيء ؟ آه ، فهمت ! كانت بالتأكيد تنتظر آخر الشهر لتقول لي بأنها حامل في الشهر الأول ، ومع مرور الوقت ، أي عندما تكتمل التسعة أشهر ستضع مولودها ، ثم تنسبه لي على أساس أن الولادة كانت مبكرة ، وأن " ابننا " ازداد في الشهر السادس أو السابع . يالمكر النساء ! لقد قالت لي قبل شهر " ألا يكفيك أني أصبحت لك وحدك ؟ " لم أعر حينها هذا الكلام اهتماما بالغا ، لكني الآن أصبحت لاأستبعد أنه كلام يخفي في ثناياه حقيقة مرة تتجلى في أنها لي وحدي طالما أنا أمامها ، لكن للغير كلما أتيحت لها الفرصة لذلك ! ألم تكن لغيري قبل أن نلتقي بقليل ؟ من الواضح أنها أمضت حياتها بين المقاهي والحانات ، تتمتع بشبابها وبجمالها ؛ تسهر مع هذا وتبيت مع ذاك ! إنها خبيرة ، على فكرة ، وبدرجة أكبر من أولئك البطلات المحنكات اللواتي نراهن في الأفلام الخليعة !
ماذا أفعل ؟ أأطلقها ؟ أأستر عليها وأغفر لها زلتها ، وأفوض أمري إلى الله ؟ سيكون في حقيقة الأمر هذا نبل مني ربما أعطاها أملا جديدا ، وثقة في الحياة ، وأصبحت لاترى في الوجود سواي ، وازداد حبها وإخلاصها لي ، وتعلقت بي أكثر من أي وقت مضى ! لكن هناك شيء سيبعثر بالتأكيد كل الأوراق ! لنفرض أن أفراد عائلتي ، والذين أحبوها جدا قبلوا بهذا الوضع ، فهناك الجيران والأهل والأقارب .. اه ، بعد مرور شهر ، أو شهرين على أكبر تقدير سينتفخ بطنها ، أليس كذلك ؟ فهذا إذن شيء لايمكن لأحد أن يصدق معه أنها حامل فقط في الشهر الأول أو الثاني ! ثم نأتي إلى شيء آخر أكثر خطورة : هذا الإبن الذي تحمله في بطنها هو من أب مجهول ، صحيح ؟ طيب. كيف سيكون وضعنا ، أنا وعائلتي في حالة ماإذا كان هذا الإبن أسود البشرة؟ 
كنا نمشي جنبا إلى جنب ، دون أن يكلم بعضنا الآخر. في لحظة ، رفعت رأسها وقالت لي " أعرف جيدا أنك لن تعيرني أي اهتمام في المستقبل ، ولن أكون عندك تلك الزوجة المشرفة ، والتي كانت تنعم بحبك ورضاك ! " لم أقل شيئا فأضافت ، ونحن نتأهب لنقطع الطريق " أتمنى أن نلتقي في عالم أفضل ! "، ثم ألقت بنفسها أمام إحدى السيارات التي كانت تسير بسرعة كبيرة ، والتي كادت أن ترديها قتيلة.
جاءت سيارة الإسعاف ، واقتادوها على وجه السرعة إلى المستشفى. لقد أصيبت بجرح غائر في الرأس ، وبكسر في الدراع الأيسر ؛ أما الجنين ، فلقد فارق الحياة.
إنها تتماثل للشفاء الآن ، بعد قضاء يومين في المستشفى. هي الآن معنا في البيت. ماالعمل .. أأحتفظ بها أم أطلقها ؟ سألت أمي فقالت ، دون أن تنظر إليها : القرار يعود لك يابني ، لكن من أدرانا أنها لن تخونك أبدا ! 
وسألت أختي فقالت ، دون أن تنظر إليها هي الأخرى : استر عليها يستر الله عليك دنيا وأخرى !
ألقت هي نظرة مختلسة إلى أمي وأختي في آن واحد ثم قالت لي ، وقد اغرورقت عيناها دموعا : لاأخفيك أني قضيت حياتي بين الحانات والمقاهي ، وأنا لاأبالي ؛ لكني الآن أتوب على يديك ، والله شاهد على ماأقول.
فقلت أنا : عفوا حبيبتي ، لقد انعدم عنصر الثقة بيننا وتلاشى كل ذلك الحب الذي كنت أكنه لك.
عادت وقالت : ألم يقل رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والسلام " إن يهدي الله بك أحدا خير مما طلعت عليه الشمس " ؟ لقد اهتديت على يديك إلى الطريق المستقيم ، طريق الله ؛ ألا تقبلني ؟ ألا تريد أن تنال من الله ماهو خير مما طلعت عليه الشمس ؟
اهتزت كل مشاعري لهذا الكلام ، فخرجت على التو من البيت ، دونما أي اتجاه. بعد ساعة من الزمن عدت ومعي ، حسب اعتقادي الحل الصحيح والأمثل لهذا الأمر الذي اعتاص بالفعل علي. قلت لها : سوف نفترق لمدة شهر كامل ؛ لا لقاء بيننا ، لا رسائل ، لامكالمات .. ثم نرى مايمكن أن يحصل لنا.
وكان كذلك.
مرت عشرة أيام ، وإذا بي أتلقى منها رسالة على الواتساب تقول فيها : ياأعز الناس ، يامن أحبه قلبي أكثر من أي شيء ، يامن غير كل حياتي ، يامن أعطى معنى لوجودي .. إني أوجد منذ يومين بإحدى المصحات ، فأنا أعاني من نزيف داخلي في الرأس ، وأظن أني أقرب إلى الموت مني إلى الحياة ! لاتتأخر في المجيء ، إني أريد أن أراك قبل أن أودع هذه الدنيا. لاتتأخر من فضلك.
كلمتها لأعرف منها اسم المصحة ، ثم خرجت على الفور. عند وصولي ، كانت هي توجد على ظهر نقالة ، في اتجاه غرفة العمليات. كان لون وجهها شاحبا. ابتسمت وقالت لي بصوت خافت " أنت حبيبي ! "
بعد ساعتين ونصف ، خرج الطبيب وقال لي " لقد استطعنا وبصعوبة فائقة أن نحاصر النزيف ، لكني أصدقك القول ، فحالتها تتطلب معجزة حقيقية ! " 
أجهشت بالبكاء وأنا أرفع عيني إلى السماء لأقول " اللهم إني لاأسألك رد القضاء ، ولكني أسألك اللطف فيه .. ياكريم يارحمان يارحيم يارب العرش العظيم .. يامن بيده مقاليد كل شيء "
مرت الآن سنتان ، رزقنا خلالها بمولود سميناه " عبد اللطيف " وذلك للطف الله عز وجل بنا.
وتستمر الحياة ..

مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية. 
الدار البيضاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.