سيف البطولة ،، بقلم : صدى البطل ،، أيمن فايد
وصار سيف ديموقليس المعلق فوق كل عرش بشعرة من ذيل حصان، يمثل الخطر الداهم طوال الوقت على المستبد، فلا يكاد يهنأ بحكم أو ثروة أو وجاه .. أو ثمة مواقف يدعي فيها المثالية والإنجاز، إلا وكان خيار هذا السيف .. الذي يريد دائما أن يسقط بحكم طبيعة الأشياء - ضعف الشعرة وضعف الإستبداد - الذين خيوطهما أهون من بيت العنكبوت.
نعم السقوط لا محالة واقع واقع .. سقوط الإستبداد وبشكل جلي لاريب فيه هو الخيار الوحيد .. سقوط السيف عقابا في قلب الظالم المستبد .. أو سقوط السيف ثوابا وأمانا في يد الحاكم العادل الساعي لمجد أمته، فالشعوب هي أقوى قلعة يمكن أن يحتمي بها الحاكم.
سيف البطولة جوهرة العدل النادرة التي لا يمكن تفويت الظفر بها .. وصدق من قال: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر". هذا المدخل أردت أن أفتتح به موضوع "سيف البطولة" بما هو مصارع للإستبداد والظلم .. بما هو هزيمة لمخطط أراذل الشعوب فكان لزاما أن ننقل الكلام من المجرد الفوضوي المعلق في الفراغ الذي هو بدون إجراء أو عمل في عقيدة القوم إلي المتعين حتي لا تصبح "نظرية المؤامرة" المزيفة سيفا مسلطا على رقبة "الفكرة الطيبة" تلك النظرية التي شاعت كاتهام دائم لأى عمل جاد، وسيكون حاضرا معنا في المتعين قصة أبو الإستبداد "فرعون موسي" كما يحكيها القرٱن من بداية الأسباب والأبعاد إلي النتائج مرورا بالمنطقة الوسطي - مصنع الممكنات - الواقعة بين المقدمات والنتائج لنصل إلي طرق مواجهة الإستبداد الصحيحة تماما كما وردت في كتاب الله عز وجل .. الذي فيه خبر من قبلنا وخبر ما بعدنا .. كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. وأيضا سيكون حاضرا معنا الناحية العملية أي التجربة التاريخية في عصرنا الحديث متمثلة في مشروع المناضل "عبد الرحمن الكواكبي" من خلال كتابه الأول: "طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد" والكتاب الثاني: "أم القرى" والمفكر الجزائري "مالك بن نبي" في مواجهة الإستبداد وذلك من خلال كتابه الأول "شروط النهضة" وكتابه الثاني: "مشكلات الحضارة" حتي نفوت الفرصة علي الدعوة المشبوهة التي تريد حصر الأمور في الشريعة، إن نظام الحكم في الإسلام لا يرتكز فقط علي الشريعة وذلك يعرفه من قرأ أصول الفقه قراءة صحيحة، فإستخدام لفظ الشريعة أي ( الكتاب والسنه ) عند هؤلاء المؤولين للإسلام هو شعار باطل المقصود منه إلغاء تجربة الإسلام التاريخية أي الناحية العملية التي وردت في معادلة بن خلدون الشهيرة ( المعرفية - العملية - القيمية - الوجودية ) فالأيدي السوداء وأراذل الشعوب لا يجعلون هذه التجربة ضمن إنتاج الإسلام من أجل ماذا؟!!..
ليبقي النص عاريا من التجربة لتحقيق تطويره .. فالدعوة للكتاب والسنة هي دعوة مشبوهة في بعض صورها إذا جردناها من التجربة التاريخية، لأن الذي يحدد لك مفهوم النص هو الواقع فعندما نقول سيرة النبي .. عندما تقول الصحابة .. عندما نقول ما فعله الخلفاء الراشدون .. إنهم جعلوا التجربة العملية مرجعا لنا لكي نعصم النص من التطويع، من التأويل حيث يمكن التلاعب به.
إذن مرجعية نظم الحكم في الإسلام تستند إلي:-
أولا: وجوب الرجوع إلي الشريعة ( كتاب وسنة ) معا في وقت واحد وليس كما ورد في ترتيب حديث "معاذ بن جبل" رضي الله عنه: والذي ضعفه الشيخ "الألباني" سندا ومتنا عندما بعثه النبي صلي الله عليه وسلم إلي اليمن قال له: بم تحكم؟.. قال: بكتاب الله .. قال: فإن لم تجد؟.. قال: بسنة رسول الله .. قال: فإن لم تجد ؟.. قال: أجتهد رأي ولا ٱلوا .. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلي ما يحبه رسول الله ) هذا الحديث منكر من حيث متنه فلابد من وجوب الرجوع للسنة مع القرٱن الكريم معا لأن هذا الترتيب لا يستقيم إسلاميا أبدا علي هذا التصنيف الذي تضمنه الحديث فالشريعة كلها قامت علي ضم السنة إلي القرٱن الكريم ولا يفرق بينهما، وهناك عشرات الأمثلة علي ذلك، منها الٱية الكريمة ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) فإن الميتة محرمة عموماً، إلا أن السنة أخرجت من هذا العموم السمك والجراد والكبد والطحال، وذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. رواه أحمد وغيره.
ثانيا: صيرورة التاريخ، تجربة التاريخ وهذه التجربة العملية دليل علي أن الإسلام هو أرقي نظام للبشرية وإن كان فيها بعض الإخفاق من قبل الأشخاص فالكمال لله سبحانه وتعالي.
في مسند الإمام أحمد حديث النعمان بن بشير عن تقسيم الرسول صلي الله عليه وسلم الزمان إلى نبوة ثم خلافه راشده ثم ملكاً عاضاً ثم ملكا جبريا ثم تعود خلافة راشدة ثم سكت عليه السلام .. هذا الحديث الشريف لا يوجد عالم إلي وأدخله في نظم الحكم .. الحديث تجربة عملية لتطبيق تعاليم الإسلام .. ناهيك عن إشتمال الحديث علي نبوءة ( ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة الأولي ) وهذه البشرى في صلب موضوع "روح البطولة" السنة الكونية السادسة في "عصر المحاربين الشرفاء"
الإستكبار بوابة الإستبداد والنفاق
الإستبداد: هو التصرف في الشئون المشتركة - الشأن العام - بمقتضى الهوى وغرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة - التي هي من صميم الدين - ويعتبر الكواكبي الإستبداد السياسي دون غيره هو أصل الداء في كل الأمور التي وقعت في التاريخ الإسلامي أو وقعت في التاريخ البشري مما يصيب الناس في أقوالهم وأفعالهم وحرياتهم.
ويعتبر الكواكبي أن المسلمين هم المتسببون بما حل بهم وبالتالي يجب ألا يعتبوا علي الأغيار أو يعتبوا علي الأقدار. وبالرغم من أن الكواكبي لم يكن أول المتحدثين عن الإستبداد بل إن كلامه كما ذكر هو بنفسه به إقتباسات كثيرة
إلا أنه يعتبر وبحق من أروع من تحدث عن الإستبداد ولكن هذا لا يعفيه في مشروعه من السقوط في جملة من السقطات المعرفية والإجرائية والعملياتية ولا نتحرج من ذكرها بما أنه اعتبر رأيه وفكره مشروع، وأيضا لا يعفي كل من اتخذوا هذا المشروع منهجا لهم ولاسيما في أشد نكبتين حدثتا للأمة الإسلامية "الثورة العربية الكبرى"و "ثورة الربيع العربى" لذلك سيكون "مشروع الكواكبي" محل دراسة نقدية وافية ولو في نقطة واحدة من جملة السقطات التي هي متصلة ببعضها البعض .. ما أود الإشارة إليه هنا هو إصرار "عبد الرحمن الكواكبي" والذين جاؤا من بعده على نهجه حتى بعد مرور أكثر من مائة عام علي وفاته بإتهام الشعوب بأنهم هم المتسببون في وقوع الإستبداد وترويج هذه الفرية بين عوام الناس .. ولكي ينجحوا في إتهام الشعوب قاموا بتحريف كلام مفكر عظيم وهو "مالك بن نبي" بمكيدة من الغرب روجوا لها مستغلين مصطلحه العبقري ( القابلية للإستعمار ) علي أنه يقصد الشعوب وأتبعوه باستشهادهم بقوله: "لو لم تكن خاصرتنا رخوة لما عبث بها العابثون" والرجل برئ تماما من هذا الفرية حيتث تم تحريف مقصدة، بل تراه علي العكس من ذلك وبوضوح .. تراه يدافع عن الشعوب ويرجع هذه "القابلية للإستعمار" إلي النخب الفاسدة التي قبلته سواء من قبل وقوع الإستعمار أو من بعد وقوعه سواء في مرحلة الإستعمار الكلاسيكي القديم أو مرحلة إستعمار الهيمنة الجديد .. هذه النخب الفاسدة بتعبيرنا هم "أراذل الشعوب" الأنظمة والمعارضة الفاسدة والمنتسبون لهم بمكوناتهم الجديدة في مرحلة الإستعمار الجديد إستعمار الهيمنة ( إنهم المنافقون الجدد .. إنهم الخوارج الجدد .. إنهم المستشرقون الجدد ) .
الإستبداد هو الإنحطاط في كل شئ خلقي ومعرفي وإجرائي، والشخص المستبد يحصل لنفسه علي الإستبداد أولا من "جهله وضعفه النفسي" ويغزيه ثانيا من نفس المعين أيضا ويمارسه علي غيره ثالثا بفرضه الجهل عليهم واستخدام القوة ضدهم فهما بضاعته المزجاة في تعامله مع الٱخرين، فالمستبد تراه عدو لترقي العقل، عدو للعلم، عدو للفهم الصحيح، عدو لتقديم الصورة علي حقيقتها، يحسب كل صيحة عليه، ويمارس القوة والبطش والتجبر المنظم علي غيره، فالمستبد هو المنافق وأخو الشيطان وقريب فرعون، دائما يقول: أنا خير منه .. دائما يلون نفسه ويسعى لتلوين غيره وتلوين كل شئ حوله من مواقف وأحداث وأماكن وأزمنة حسب خريطة مكاسبه الضيقة ومصلحته الذاتية .. وأشهر أسلحته في مشروعه ( الجدال والكذب والخيانة ) ولو أضطر إلي إدعاء المرض النفسي باستخدامه التبرير، والإبدال أو التحول، والإسقاط، والتعويض، والتطابق، والتقمص وفي الحقيقة هو ليس بمريض في الجسد ولكن مريض في قلبه
( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
قال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( في قلوبهم مرض ) قال : شك ، ( فزادهم الله مرضا ) قال : شكا .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( في قلوبهم مرض ) قال : شك .
وكذلك قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة .
وعن عكرمة ، وطاوس : ( في قلوبهم مرض ) يعني : الرياء .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( في قلوبهم مرض ) قال : نفاق ( فزادهم الله مرضا ) قال : نفاقا ، وهذا كالأول .
وقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( في قلوبهم مرض ) قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضا في الأجساد ، وهم المنافقون . والمرض : الشك الذي دخلهم في الإسلام ( فزادهم الله مرضا ) .
قال مالك : المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم . قلت : وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا . أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا ، أو يتكرر منه ارتداده أم لا ، أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه ؟ .. المستبد محب ومتواضع بقوة لكن لأراذل الشعوب لأصحاب صدقة الكبر عليه .. مكلف من قبل نفسه ليكون عدوا لأي بيئة صالحة ومتواضعة وصادقة معه، يعتبرها ورقة دوار الشمس - ميزان - وجدت لتنغص عليه عيشته وجدت لتعريه وتفضحه، وليست فرصة لنجاته ورزق ساقه الله إليه لنصحه وستره.
الإستبداد رذيلة بما هو خبرة مذلة محضة، يدفع المستبد ثمن إستبداده مقدما .. يدفعه بإستمرا مرتين - مرة لنفسه وهواه، ومرة أخرى لمن هو أشد منه تجبرا وعتوا.
لماذا ندرس الكواكبي؟!!..
هناك نقاط جد خطيرة أخفق فيها الكواكبي في مشروع وكلها مرتبطة ببعضها البعض علي سبيل المثال وليس الحصر بما يتسع به المقام هنا:-
١- بالرغم من دراسته الصورة العربية دراسة جيدة إلا أنها وقع في نفس الخطأ وهو فتح باب الشر الذي كان يحذر هو شخصيا منه ألا وهو إستغلالهم المستبد الخارجي لثغرة التي ممكن أن تحدث نتيجة للخروج في صورة علي الحاكم المستبد في الداخل فتقع البلاد في أيدي الاحتلال.
٢- فصل الدين عن الدولة وهذا واضح من كلامه عندما دعي بأن السلطة السياسية عند السلطان عبد الحميد والسلطة الروحية عند الشريف في مكة.
٣- لم يراعي سياق العام في البيئة الإجتماعية والمتغيرات الطارئة عليها وذلك عبر نقطتين أ- إغفالة الجهود والمحاولات الإصلاحية التي يقوم بها السلطان عبد الحميد ورفاقه من المصلحين وإتصاله به عدة مرات ليكون من فريق بالإصلاح. ب- عدم مراعاته حالة التهيئة الإجتماعية وهي إرادة المسلمين وبطولتها الساعة إلي بالإصلاح ولاسيما عقب تكالب كل قوي الخارج علي الخلاقة في وقت واحد وليس فرنسا ضد السلطات فيكون الإنجليز مع السلطان أو العكس بما كان يطيل من أمد السلطنة العثمانية المنهارة.
٤- وقوعه في التناقض حيث أنه مرة يقول أن العوام إذا علموا عملوا وإذا جهلوا قعدوا فهو بذلك يعيب علي العوام بما أن رأي عام منقاد لمن يقدم لهم الفكر والوعي وفي نفس الوقت ينكر عليهم بطولتهم التي كانت في مرحلة ٱستواء بما رأوه من تكالب الأمم علي السلطان المشهود له بالصلاح.
٥- وقوعة في السذاجة السياسية فالكواكبي أحيانا قوميته يصل بها قريبا من العنصرية وفي نفس الوقت تجد في كلامه خرصا علي الدولة العثمانية كما ذكر البعض فهو ليس شامت أو حاقد علي الدولة العثمانية بقدر ما هو خائف علي أنها أصبحت عبء علي الأمة وغير قادرة علي أداء وظيفتها.
فكيف نفهم موقفه من الترك ومداهنته الأوروبيين بخذين الموقفين وبهذه السذاجة السياسية التي وقعت فيها نخب من المشرق العربي راهنت على الأوروبيين في القطيعة مع العثمانيين. حتي أن أستاذه "رشيد رضا" إنتقده وقال عنه: "إن الكواكبي كان رجلا أبيا وشجاعا ومقاوم الإستبداد ولكن كان فيه سذاجة سياسية إستغلها الإنجليز كما إستغلوا كثيرين ٱخرين ضد الدولة العثمانية"
تسألوني هل المستبد يخاف؟!!..
نعم: يخاف .. يخاف من رعيته .. يخاف من كل شئ حوله .. يخاف وهو في يقظته يخاف بما يراه في نومه .. يخاف وهو بين النوم واليقظة .. فانظر إلي أشهر مستبد يمكن أن تعرفه
( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) أنظر إلى إستبداده ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) أنظر إلي تنامى إستبداده
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) فما بين مرحلة تكوين فرعون كمستبد ومرحلة ممارسته الإستبداد تكمن المتطقة الوسطي بين المرحلتين وهى طبيعة ونفسية فرعون كمستبد فهي نقطة الإرتكاز الواقعة بين المقدمات والنتائج، هي مصنع الممكنات التي تتم فيها عملية الإستبداد وبالتالي هي نفس المنطقة التي يجب أن نتعامل معها في القضاء علي المستبد والإستبداد ففيها تكمن نقطة ضعفة.
ولتوضيح ذلك أسأل نفسك هذا السؤال:
لماذا قرر فرعون قتل أطفال بنى اسرائيل الغلمان الذكور؟؟؟..
فى يوم من الأيام رأى فرعون فى منامه أن هناك نار عظيمة تخرج من بيت المقدس تأكل كل ما فى طريقها زاحفة إلى مصر وإذا وصلت أحرقت كل بيوت ٱل فرعون والقبط وتركت بيوت بنى إسرائبل كما هي
فإرتجف فرعون وذهب إلى كهنته فأخبروة أن هناك صبى سيولد من بنى إسرائيل سينهى ملكك ويكون هلاكك على يده فادركو أن من ببيت المقدس هم بنى إسرائيل الذين يعيشون فى مصر منذ مجىء يوسف عليه السلام وإخوته وأهله واستقروا بها فالغلام سيكون من بنى إسرائيل
فهنا قرر فرعون بقتل اى صبى يولد من بنى إسرائيل ... فأخبره الكهنة إذا قتلت جميع غلمان بنى إسرائيل من يخدمنا ويلبى طلباتنا فقرر أن يقتل الصبية فى عام والعام الٱخر يتركهم يعيشون، ففى العام الذى تركهم يعيشون يولد نبى الله هارون عليه السلام وفى العام الذى أمر بقتل أى صبى يولد موسى علي السلام.
إن المستبد يخاف من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه وهذا يجعل تحريك الرعية أساسي وهذا سبب خوفه من المصلحين واعتبارهم يحركون الرعية على الحاكم والإستبداد والعلم ضدان متغالبان، فالحكام يحبون دين الشعائر ولكن لا يحبون دين الإيمان والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الظلم، الحاكم يخاف المصلحين فالحاكم لا يحب من له ملكة نظرية لا يحب من له عقل فلسفي لا يحب معتني بالحقوق والعلوم السياسية ويكره هو وسادته أصحاب "عصرالمتكسبين" وأصحاب "عصر المفكرين ورجال الدين" المتزاوجين علي أسرة من حرام في هذه الدورة التاريخية البائسة من حياة البشر.
نعم المستبدون يخافون من "عصر المحاربين الشرفاء" الذين يقولون: ( لا للفرقة .. لا للتدخلات الخارجية .. نعم لصناعة البطولة ) إنه الكبرياء بما هو فضيلة صاحبه طالب مجد بما هو عزة ورفعة وشرف ونبل ومكارم مأثورة عن ٱبائه الأحرار "المحاربين الشرفاء" الذين كان أعظم عصر لهم في النبوة المحمدية والخلافة علي منهاج النبوة من صحابة رسول الله ثم بشري الرسول ثم تكون فيكم خلافة علي منهاج النبوة الأولي.
يقول المتنبي:
لا يعرف المجد إلا سيد فطن .. لما يشق على السادات فعال
لولا المشقة ساد الناس كلهم .. الجود يفقر والإقدام قتال
يقول ٱخر:
تريدين إتيان المعالي رخيصة
ولابد دون الشهد من إبر النحل
يقول ٱخر:
لا تحسبن المجد تمر أنت ٱكله
لن تبلغ المجد حتي تلعق الصبرا
يقول ٱخر:
ومن يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر
فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا فالمرء ليس بصادق في قوله حتي يؤيد قوله بفعاله
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
يخاطب الله تعالي المسلمين جميعا أنهم حازوا الخيرية المجد والكرامة والعزة عند الله من بين كافة الأمم وأن هذه الخيرية مشروطة بقيامهم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بما أنها فرض كفاية، والإيمان به تعالي بما أنه فرض عين في كل الأوقات، فكانت هذه الخيرية ميزة لأمة الإسلام فاقت بها كل الأمم كونهم أنفع الناس للخلق فهى ذات قيمة وذات مجد ومنزلة، أريد بها أن تكون طليعة في الأمم، وصاحبة القيادة، فهي أمة رائدة ومشروع مجدها هو البطولة التي يحاربها المستبد وأعوانه المنافقون وكلاء أعداء الأمة
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
مالك بن نبي في الميزان
وقفة هامة مع المفكر العظيم المظلوم هو ومشروعه ظلما بينا المفكر السياسي "مالك بن نبي" ١٩٠٥ - ١٩٧٣ له سجل فكري ونضال ثقافي بعيدا عن المقاومة العسكرية، فهو يحتل مكانة مرموقةفي الفكر العربي المعاصر ولاسيما في ظل القيود التي فرضها المستعمر وبالأخص المستعمر الفرنسي في الجزائر.
واخترنا كتابين له وهما شروط النهضة الصادر باللغة الفرنسية سنة ١٩٤٨ وترجم إلي العربية سنة ١٩٥٩ وكتاب مشكلات الحضارة ١٩٥٩ فهما يختزلان المواقف والرؤى في مواجهة المستعمر الرقيب اي دولة خارجية حيث يقوم المستعمر الخارجي بدراسة الٱثار النفسية التي تحول المستعمرين إلي أدوات في يد المستعمر بحيث يشعرون أو لا يشعرون فيقول: إن القضية عندنا منوطة أولا: بتخلصنا مما يستغله الإستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته من حيث نشعر أو لا نشعر وما دام له سلطة خفية علي توجيه الطاقة الداخلية عندنا وتبديدها وتشتيتها علي أيدينا فلا رجاء في استقلال ولا أمل في حرية مهما كانت الأوضاع السياسية.
كتب "مالك بن نبي" هذا في إطار مصطلح "القابلية للإستعمار" وهي كأطروحة تعتبر عنوان إشكالي من حيث تقبله وتلقيه فهذا العنوان من رأي البعض القليل الذي أنصف "مالك بن نبي" المظلوم يحتمل عدة مستويات من التلقي فقد يكون عنوانا مستفزا خاصة أن أجزاء كبيرة من وطننا العربي عانت من الإستعمار ومنها الجزائر موطن المفكر "مالك بن نبي" وما زالت كل بلدان المسلمين تعاني من الإستعمار لكن في صورته الأشد والأخطر وهي استعمار الهيمنة.
وقد يكون العنوان مثيرا للتساؤل عن طبيعة هذه القابلية للإستعمار.
وقد يكون العنوان محرضا على فهمه ومقاربته من خلال منظومة المفاهيم التي يعظمها "مالك بن نبي" في دراسة الإستعمار وفهمه, وفيها على سبيل المثال مفهوم "المعامل الإستعماري" ومفهوم "معامل القابلية للإستعمار" وهما مفهومان متصلان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الٱخر.
ومن خلال هذين المفهومين يبين "مالك بن نبي" كيف يدمر الإستعمار الفرد في البلاد المستعمر ة بطريقة ممنهجة، فالمعامل الإستعماري عامل خارجي يفرضه المستعمر على حياة الفرد ويعمل على تدمير قيمته وذلك باحاطته بشبكة محكمة ينسجها المستعمر .. أما معامل القابلية للإستعمار فهو معامل ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه هذه الصبغة، والسائد في تلك الحدود الضيقة التي رسمها له الإستعمار وحدد له فيها حركته وأفكارهم وحياته وهو معامل داخلي يستجيب للمعامل الخارجي ويستشهد مالك بن نبي بمقولة أحد المصلحين ( أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم ) .
كتب المفكر "مالك بن نبي" هذا في إطار واضح أن هذه الهيمنة لا تتجه إلي عامة الناس بل إلي نخبهم الثقافية هؤلاء هم القابلين للإستعمار فهم الذين يتحولون إلي أدوات تخدم المستعمر دون أن يشعروا .. يتحولون إلي قابلين للإستعمار .. النخب هي التي لا تعرف تلك القوى معرفة كافية .. وهي التي يخاطبها مالك بن نبي فيقول: إن الإستعمار لا يتصرف في طاقاتنا الإجتماعية إلا لأنه درس أوضاعنا النفسية دراسة عميقة وأدرك منها مواطن الضعف فسخرها لما يريد كصواريخ يصيب بها من يشاء، فنحن لا نتصور إلي أي حد يحتال ليجعل منا أبواقا يتحدث فيها وأقلاما يكتب بها إنه يسخرنا وأقلامنا لأغراضه يسخرنا له بعلمه وجهلنا والحق أننا لم ندرس الإستعمار دراسة علمية كما درسنا هو حتي أصبح يتصرف في بعض مواقفنا الوطنية وحتي الدينية من حيث نشعر أو لا نشعر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.