أهم الاخبار

مجلة نداء الرؤح لفرسان الكلمات رئيسة مجلس الادارة الأستاذه نداء الرؤح )

السبت، 4 أغسطس 2018

حب على الفيسبوك بقلم مصطفى دهور

أهلا أعزائي القراء. 
هذه القصة كانت قد نالت رضا وتشجيع الكثيرين عند نشرها قبل شهور. أعيد نشرها اليوم متمنيا أن تنال رضا وتشجيع آخرين.

☆ حب على الفيسبوك ☆
كتبت مرة على صفحات الفيسبوك هذه الجملة " إن الحب 
الحقيقي رفع كما رفع الحياء،ولم يبق له أي وجود بين الناس " جاءت تعاليق كثيرة تشاطرني الرأي ، وتلعن الظروف التي جعلت الثقة تنعدم بين الناس ، فاختفى معها كل شيء جميل مثل الصداقة ، والحب ، والصدق . . 
مر يومان ، وإذا بي أقرأ على صفحة بريدي الخاص في الفيسبوك هذه الجملة " صباح الخير أيتها الأخت ! أنا وسيم . إن الحب الحقيقي موجود ، لكن القلوب الطاهرة هي التي تعرف فقط طريقه !" 
أجبت على الفور" وأين هي هاته القلوب الطاهرة ؟" ، فجاء الجواب كالتالي " أنا أيضا أبحث عنها !"
قلت له " أيمكن أن توضح كلامك ؟" ، أجاب " كلامي واضح ! أنا أبحث منذ زمن بعيد عن فتاة في قلبها ولو ذرة صدق لتكون شريكة حياتي ولم أجدها !"
أثار هذا فضولي ، فقلت له، وأنا أمزح " وماذا تعطيني لو ساعدتك على إيجاد هاته الفتاة ؟" 
(لاأخفي عليكم أنني كنت أفكر في نفسي وأنا أوجه له هذا الكلام !) أجاب " ستكونين قد أسديتي لي خدمة لن أنساها ماحييت ، ولن أعطيك شيئا، بل سيكون أجرك على الله !" 
فتحت عيني جيدا ، وتحرك شيء مابداخلي ، دون أن أدرك ماهو ، فوجدتني أقول له، وبدون شعور تقريبا:
" هل يمكن أن أتعرف إليك ؟ قدم لي نفسك إذا كان ممكنا ! " انتظرت قليلا ، وإذا بي أقرأ " اسمي وسيم ، عمري 30 سنة ، أعمل كمحاسب رئيسي بإحدى الشركات ، وراتبي الشهري يصل إلى 7.000 درهم ." 
ياإلاهي ! أيكون هذا هو الرجل الذي حلمت به طوال حياتي ؟ أتكون الحياة قد ابتسمت لي حقا بعد طول الإنتظار ؟ لم أنته إلا بثواني قليلة من قراءة هذا "المساج" حتى جاءني مساجا آخر يقول فيه الشاب " وأنت، هل بإمكانك أن تقدمي لي نفسك؟ " قلت على التو " انتظر ! " ، ثم كتبت أقول " أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري ، اسمي منى ، حائزة على شهادة البكالوريا وبدون عمل . أمنيتي في الحياة أن ألتقي بشخص أحبه ويحبني ، وأنجب منه أبناء، ونعيش كلنا في حب وسعادة دائمين !"
طلب مني بعد فترة " من أي مدينة أنت ؟" ، قلت " الدر البيضاء " ، فرد يقول " وأنا كذلك من الدار البيضاء ". لم أتلق أي رسالة بعد هذا . ظللت أنتظر اليوم كله، والليل كله، وصباح يوم الغد، والمساء أيضا . . لا شيء ! كنت في كل مرة أقول لنفسي " ولم لا أرسل له أنا رسالة ؟" ، ثم أعود وأقول " لا ! ربما احتقرني ؛ ربما رأى في فتاة بدون شخصية، أو من أولئك الفتيات اللواتي يتحين الفرصة للإنقضاض على الرجال !" وفي تمام الساعة التاسعة ليلا ، وأنا في حيرة من أمري ، سمعت رنين الهاتف ، كانت رسالة ! بدأ قلبي يدق بطريقة غير معقولة وأنا أقول " هو ! " ؛ وكان هو بالفعل ! أرسل يقول " مساء الخير ! مارأيك أن نلتقي ، من أجل مزيد من التعرف ، بعضنا على البعض ؟ " أجبت قائلة " هل ترى أنه من الضروري أن نلتقي ؟ " 
لم أنتظر كثيرا لأقرأ رده " كما تحبين ، والخير فيما اختاره الله. هذا رقم هاتفي ؛ فكري جيدا واتخذي القرار الصائب. "

والتقينا ! كان يوم أحد . وأصبحنا نلتقي كل يوم أحد . نتجول ، نجلس معا في إحدى المقاهي ، نتجاذب أطراف الحديث . . كان شابا مهذبا ، وسيما، يحب النكث ومناقشة المواضيع المختلفة ؛ وكان من جهته يرى في الفتاة المثالية ، والتى طالما حلم بأن يلتقي بواحدة مثلها ، ويحبها ، ويكرس حياته من أجلها ، مما دعاني أن أقول له ذات يوم ، وأنا أمزح " حبني ياأخي كما تشاء ، واتركني أحبك أنا أيضا !" لم يمر على تعارفنا أكثر من شهر ، كانت فيه قلوبنا قد ألفت بعضها ، وكانت تنتظر بفارغ الصبر يوم الأحد لتنصت إلى بعضها ، ولتخفق من شدة الحب الذي أصبح يملأها . 
لم أعد أطيق البعد عنه ، وكان الأمر مماثلا بالنسبة له ، مما جعلنا نضيف إلى يوم الأحد يوما آخر وهو يوم الخميس. أصبح وسيم كل شيء بالنسبة لي : صباحي ومساءي ، ليلي ونهاري ، شمسي وقمري . . أصبحت أدرك أن وجودي ليس له ، ولن يكون له أي معنى بدون وسيم ! إنه أول رجل أحببته في حياتي ، ولن أحب رجلا سواه ماحييت !
مر عام بأكمله على تعارفنا ، وتوطدت علاقتنا ، فأصبحنا نحيا بالحب ومن أجل الحب ؛ به نلتقي وعليه نفترق ! لم يكن وسيم من أولئك الشباب الذين يتحينون الفرصة لاقتياد الفتيات إلى بعض المنازل مثلا ، من أجل إرضاء رغباتهم الجنسية ! أذكر مرة أن دعوته لنذهب إلى السينما من أجل مشاهدة بعض الأفلام ؛ أتدرون ماذا قال لي ؟ قال " إن الظلام سوف يوحي لنا بأشياء لم تكن في حسباننا ، بحيث لن يصبح من المستبعد أن أقبلك ، أو أمرر يدي على بعض الأماكن الحساسة من جسدك ، وربما لن تمانعي ، اعتقادا منك أننا نفعل ذلك باسم الحب ، فستكون بداية نهاية حبنا الذي سيضمحل ويضعف ليفسح المجال أمام شيء آخر اسمه الجنس ؛ وهذا شيء لاأحبذه لأنه سيهدم علاقتنا، وربما جعلنا نبتعد عن بعضنا البعض ، بعد أن نكون قد أشبعنا فيما بعد، و على مر الأيام غريزتنا الحيوانية ! " سكت برهة ، ثم أضاف " سوف نذهب إلى السينما بعد أن نكون قد أصبحنا زوجين إن شاء الله !" قلت " زوجين ؟! " قال ، وهو ينظر إلي بعمق " وهل تظنين أن كل هذا الحب الذي أصبح يؤلف بين قلوبنا سينتهي ويتبخر ذات يوم ، دون أن يفضي إلى الزواج ؟! " 
ياإلاهي ! أين أخبؤك عن الموت يا وسيم ؟ هذا أروع من أن يصدق !
مرت ثلاثة أيام دون أن نلتقي، وجاء يوم الخميس ؛ أرسل وسيم يقول لي " صباح الخير عزيزتي ! مارأيك أن نحتفل اليوم بمرور عام على تعارفنا ؟ " أجبت على الفور " هذا جميل جدا ! والله إنها لفكرة رائعة ! " أضاف يقول بعد ذلك " لنلتق إذن في مقهانا المعتاذ " إيدين أيس " على الساعة الخامسة تماما"
قلت ، وأنا أختنق من شدة الفرح " وأنا سأكون هناك في الموعد ! " 
كان الطابق الأول من المقهى مملوءا كعادته.كان ندل المقهى يعرفونني ويحترمونني. قال لي أحدهم ، وهو يهيأ لي كرسيا" تفضلي ياآنسة ! " ثم أضاف ، وهويبتسم " عصير ليمون كالعادة ! " وافقت بإيماءة من رأسي وأنا أشكره ، ثم جلست . أرسلت على التو رسالة لوسيم أقول فيها " أهلا وسهلا ! أنا أتواجد الآن بالمقهى . لقد رحب بي أحد الندل وراح ليأتيني بعصير ليمون ! " 
لم أتلق جوابا منه ، واعتبرت الأمر عاديا، ما دامت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة وخمس دقائق؛ فلربما يوجد هو الآن بالقرب من المقهى ، ولا داعي أن يجيب !
انهمكت في القراءة على صفحات الفيسبوك ، أقرأ مابين نكث ومعلومات ، ولم أنتبه إلى النادل الذي وضع عصير الليمون أمامي وانصرف في هدوء . رفعت رأسي حينها وأنا أتساءل " أينك ياوسيم ؟ لم أعتد منك هذا التأخير كله ! " 
كانت عقارب ساعتي تشير إلى الخامسة والربع . عدت إلى الفيسبوك. انهمكت في القراءة. ماذا ؟! إنها الخامسة والنصف ! ياإلاهي ! بدأت بالفعل أقلق من أجل وسيم ، مما دعاني أن أكلمه على الهاتف . إنه لايجيب !! أعدت المكالمة مرات عديدة، وكنت في كل مرة أسمع الصوت المسجل يقول لي بأن هاتف مخاطبي غير مشغل ! أرسلت الرسالة تلو الرسالة، أعدت المكالمة مآت المرات . . وسيم لا يجيب ! بقيت على هذه الحال حتى الساعة السابعة مساء ، دون أدنى خبر عنه !

مر أسبوع على اختفاء وسيم ! أسبوع لم أتوقف فيه عن البكاء . وارباه ! اختفى وسيم كما تختفي الشمس في فصل الشتاء ! 
كان يسكن وحده في إحدى العمارات ؛ ذهبت في اليوم الثاني من اختفاءه وسألت بواب العمارة ، فقال لي بأنه لم يره منذ صباح الخميس . تلفنت بعد هذا إلى الشركة التي يعمل بها ، فقالوا لي بأنهم لايعلمون عنه شيئا ، وأنه لم يحضر إلى العمل اليوم الجمعة . تجرأت ، ثم ذهبت أسأل عنه في مخفر الشرطة ، فقيل لي بأن هذا اﻹسم غير موجود عندهم . ذهبت بعد هذا كله أبحث عنه في معرض الجثت بمستشفى ابن رشد ، فلم يكن بين الموتى . وكانت آخر خطوة اتخذتها للبحث عنه أن ذهبت في اليوم الثالت من اختفاءه إلى المقبرة المحسوبة على الحي الذي يسكن به ، وأخذت أبحث بين القبور التي لم يمر على دفن الأموات بها أكثر من أسبوع ، فلم أجده بينهم . 
رفعت عيني إلى السماء ، وقلبي يعتصر من شدة الحزن ، ثم أجهشت بالبكاء وأنا أقول " يارب ! إن كان وسيم حيا فأعده إلي ، وإن كان ميتا ، فألحقني به في القريب العاجل ."

مرت شهور وشهور ولم يظهر وسيم . أصبح الحزن قبلتي وملاذي ، أختبىء فيه من سراب الحياة وحقيقتها المزيفة ، وأجد فيه متعة غريبة لايشعر بها إلا من أدمى الفراق قلبه مثلي ؛ متعة كلها بكاء وكآبة وتشاؤم . . أصبحت أتمنى الموت الذي لايأتي وأكره الحياة التي أخذت مني وسيم ، وسلبتني عقلي وروحي ؛ روحي التي ودعت كل شيء جميل، وتخلت عن كل حلم مشروع . الآن بدأت أفهم لم يتألم البعض عندما يسمعون " عبد الحليم حافظ " يقول ، وهو يغني " وداع يا دنيا الهنا ، وداع ياحبي ياأحلام ، ذا عمر جرحي أنا ، أطول من الأيام " ، أو عندما يقول أيضًا " يافرحة كانت ملية عيني ، واستكثرتها الدنيا علي "
لاأخفيكم القول ، بدأت أفكر في وضع نهاية لحياتي التي أصبحت خالية من كل معنى ، لولا لطف الله بي ؛ لقد كان إيماني بالله قويا ، وكنت في كل لحظة ضعف أتذكر الحديث الشريف الذي يقول بأن كل من رمى نفسه ففي النار يرميها ، وكل من قدف نفسه ففي النار يقدفها . 
بقيت على هذه الحال ، تتجاذبني مختلف الأفكار السوداء ، حتى جاء فجأة يوم . . نعم ، يوم عادت فيه روحي إلى جسدي وأحسست أني أولد من جديد ! يوم تلقيت فيه رسالة تقول " أهلا وسهلا عزيزتي ! أنا وسيم ! "
ماذا ؟! وسيم ؟! هذا شيء لايصدق !!
أجبت على الفور " أنت وسيم ؟! أحقا أنت وسبم ؟!"
جاء الجواب كقطرة الغيث التي تحيي الأرض بعد موتها " نعم حبيبتي ، أنا وسيم ! أنا الذي يحبك ويموت في . . ذباذيبك ! "
اغرورقت عيناي من الدمع وكدت أ سقط من طولي ، وأنا أشعر وكأنه سيغمى علي ، لكني تمالكت أعصابي وأخذت أصرخ في كل أرجاء المنزل ، وبأعلى صوتي " وسيم حي ! وسيم حي ! "

والتقينا !! . . كانت الفرحة تغمرنا ، ونار الشوق تتأجج في قلوبنا ! ضمني وسيم إليه ووضع وجنته بلطف على وجنتي ، فاختلطت دموعنا في صمت وأحسسنا أن حبا جديدا يولد في أحشاءنا . همس في أذني " أحبك ! " ؛ قلت بصوت خافت " وأنا أيضا أحبك ! " كانت فرحتنا لاتوصف !! 
سألته بعد أن جلسنا في مقهانا المعتاذ عن سبب هذا الإختفاء فأجاب ، وهو يعتذر عن كل الآلام التي سببها إلي أنه كان يريد أن يتأكد - وبعيدا عني ! - من حقيقة شعوره تجاهي ، حتى لايقع لنا ماوقع للكثيرين الذين وقفوا في وسط الطريق ، ثم راح كل منهم إلى حال سبيله !

مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية. 
الدار البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.