نازحون مع الشمس
استقبلتْهم بعدَ أنْ عاشوا حياةَ تشردٍ مؤلمةٍ، وترحالاً أكثرُ ألماً، ونزوحاً هو الأشدُّ مرارةً، لكنَّهم صامدونَ أمامَ الحمقى والسذجِ العاجزينَ، الذينَ لا يؤمنونَ بأنَّ لا حاجزَ يقفُ بينَهم، حتى وإنْ كانَتِ الشمسُ رفيقةَ أيامِهم الطويلةِ.
قالَ أحدُهم: الأمواتُ يقتلونَ الوقتَ فوقَ مقابرِ التأريخِ.
بادرَهُ آخرٌ: أنا أصنعُ من خيمتي ورمالِ هذهِ الصحراءِ، ملحمةَ النزوحِ بحثاً عن عشبةِ الخلودِ.
وقالَ شابٌ مقعدٌ: صحيحٌ أنَّنا نازحونَ، لكنَّ آثارَنا لن تبرحَ مكانَها ولن تنزحَ مسيرتَها.
أجابَهم أحدُ علماءِ الآثارِ المبهورِ بحضارتِنا: كيفَ تنمو الحياةُ مرةً أخرى عندَكم وأنتم وسط الشمسِ والنزوحِ؟
أجابهُ أحدُ الشيوخِ: قد يكونُ أحدٌ ما قد قالَ: (كتبَ قصتهُ على الرمالِ فثارَتْ أمواجُ البحرِ) أما أنا فسأصنعُ من الأمواجِ بساطاً نعلو بهِ فوقَ عنقِ السماءِ، ونخيطُ من الأملِ والحنينِ خيمةً نرتقُ بها وجعَ مدنِنا الصابرةِ.
قفزَتْ طفلةٌ وسطَهم وقالَتْ: خيمتي نامَتْ على وجهِ الأرضِ، وأحلامي تركتُها على قارعةِ طريقِ النزوحِ، لأهربَ من بقايا الزوايا القذرةِ، ولكنْ على أيةِ حالٍ ما زالَ لي منزلٌ اسمهُ العراقُ.
بادرتْها أخرى: لا أريدُ وجهاً ولا وجاهةً فموتى مدينتي يبتسمونَ كلَّ يومٍ، ولا يهمُني على أيِّ رصيفٍ تنامُ أمنياتي، المهم ألا يعزفَ الساسةُ أيقونةَ الإنحناءِ.
قالَتْ عالمةُ آثارٍ كانَتْ حاضرةً في المكانِ: أيُّ أطفالٍ أنتم، الموتُ الذي استباحَ أرواحَكم سيموتُ بلا شكٍ، لأنَّهُ واقعٌ لا يليقُ بكم، أخلقوا بداياتٍ جديدةٍ فليسَ هناكَ مستقبلٌ لوطنٍ ممزقٍ، قضيتُكم ستدورُ بينَ سجلاتِ الزمنِ وأوراقِ التأريخِ.
في هذهِ الأثناءِ حضرَ أحدُ الفاسدينَ للمخيمِ ليوزعَ بطانياتٍ جوفاءَ فبدأتْ ثورة من النعلِ والأحذيةِ تشنُّ هجمتَها عليهِ.
أمل الياسري/ العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.