الـنَّـقـدُ الأَدَبــِيُّ ... بــَينَ الـتَّعَـالُمِ وَالنَّصِيحَـةِ
إِنَّ النَّاقِدَ لا يَكُونُ نَاقِدًا لأَيِّ كَلامٍ يُكتَبُ ممَِّا يُنَاطُ بالأجنَاسِ الأَدَبيَّةِ مَا لَم
يَتَوفَّر عَلَى مُدَارَسَةِ أُصُولِ العُلُومِ مُدَارَسَةَ الرَّجُلِ الهَادِيءِ الَّذِي يَعرِفُ جَـيِّدًا إِلَى أَينَ يُرِيدُ وَكَيفَ يَنطَلِقُ نحَوَ هَذَا المُرَادِ = فَإِذا تَمَّ لَهُ ذلِكَ؛ذهَبَ إِلَى رَوَائِعِ كُلِّ بَابٍ مِن أَدَبٍ محَضٍ أَو دِرَاسَاتٍ تُنَاقِشُ هَذِهِ الأَدَبيَّاتِ؛وَكَانَ عَلَيهِ أَن يَنظُرَ في طَبيعَةِ التَّبَايُنِ وَالاختِلافِ إِبدَاعًا أَو تَنظِيرًا أَو تَطبيقًا؛فَإِذا مَا استَوَى أَمرُهُ وَتَهَيَّأَ لِمَرَامِهِ الَّذِي رَغِبَ وَقَامَ لَهُ وَقَصَدَ إِلَيهِ؛فَعَلَيهِ أَن يَكُونَ حَكِيمًا قَبلَ أَن يَكُونَ نَاقِدًا؛وَلا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا مَا لَم يَكُن عَاقِلاً؛وَالعَقلُ الرَّشِيدُ لا يَبينُ إِلاَّ مِن مَشَاهِدِ السُّلُوكِ وَالنَّفَسِ القَلَمِيِّ؛فَإِذا شَهِدَ لَهُ بذلِكَ النُّـبَلاءُ مِن رِجَالاتِ الأَدَبِ؛وَجَبَ عَلَيهِ حِينَئِذٍ أَن يَفهَمَ مَا هُوَ شَرطُ الرِّيـَادَةِ في مَيدَانِهِ مِن بَعدِ تحَصِيلِ العِلمِ وَوجُودِ العَقلِ الَّذِي لا يَقُومُ إِلاَّ بهِ؛وَشَرطُهَا أَن تَكُونَ خَبيرًا بمَِوَاطِنِ الكَلامِ وَأَوقَاتِ الصَّمتِ وَالإِعرَاضِ؛فَإِنَّ الغَايـَةَ مِن وَرَاءِ تَبجِيلِ النَّاسِ لَكَ وَاحتِرَامِهِم إِيـَّاكَ هِيَ في التِمَاسِهِم مِنكَ أَن تُرشِدَهُم إِلَى مَوَاضِعِ الصَّوَابِ وَالخَطَأِ مِن كِتَابَاتِهِم؛فَإِذا آمَنتَ بحَِقِيقَةِ دَورِكَ؛وَجَبَ عَلَيكَ أَن تَعلَمَ مَتَى تَأخُذُ النَّاسَ بالعُنفِ وَالقُوَّةِ؛وَمَتَى تَصبرُ عَلَيهِم وَتَمُدُّ لَهُم سَبيلَ الأَمَلِ؛فَمِنَهُم مَن يُرِيدُ العِلمَ؛غَيرَ أَنـَّهُ يُبغِضُ أَن يَصِلَ إِلَيهِ بدَوَامِ التَّقرِيعِ وَالتَّوبيخِ؛وَمَن ظَنَّ أَنَّ كَرَامَتَهُ لِعِلمِهِ فَوقَ كَرَامَةِ مَن حُرِمَ العِلمَ الَّذِي هُوَ كَلامٌ مَسطُورٌ مُدَبـَّجٌ؛فَقَد ظَنَّ بَاطِلاً وَتَوَهَّمَ مَا لا يَكُونُ؛فَرُبَّ مَحرُومٍ مِنَ الثقَافَةِ الَّتِي هِيَ إِتقَانٌ وَفَهمٌ؛قَد حَازَ مِنَ المُرُوءَةِ وَسُمُوِّ الوجدَانِ مَا لَم تَصِل إِلَيهِ وَلَم تَقرَبهُ يَومًا؛وَلا تَكُونُ الإِمَامَةُ إِلاَّ لِعَاقِلٍ حَكِيمٍ؛وَمَن أَرَادَ أَن يُجبرَ الخَلقَ عَلَى احتِرَامِهِ بالتَّسفِيهِ وَالاحتِقَارِ؛لَم يَنَل سِوَى الزَّجرِ وَالهَجرِ؛
فَإِنَّ العِلمَ إِن عَجَزَ عَن الارتِقَاءِ بكَ إِلَى سَمَاءِ الخُلُقِ الشَّرِيفِ وَالاعتِدَالِ النَّفسِيِّ وَالإِنسَانِيِّ؛فَاعلَم أَنـَّكَ مَا أَخَذتَ مِنَ العِلمَ إِلاَّ ظَاهِرَهُ؛وَأَمَّا أَصلُهُ الَّذِي هُوَ فُحُولَةُ العِلمِ؛فَمَا أَنتَ سِوَى شَحَّاذٍ يَدَّعِي الغِنَى وَمَا عَلِمَ أَنـَّهُ يَمُرُّ بدُرُوبِ الأَثرِيـَاءِ؛وَمَن زَعَمَ التَّفَرُّدَ طَالَبنَاهُ بالدَّلِيلِ وَإِقَامَةِ الحُجَّةِ وَإِلاَّ أَلزَمنَاهُ أَن يَقِفَ عِندَ حَدِّهِ وَأَلاَّ يُجَاوِزَ قَدرَهُ؛فَإِذا كَانَ اللهُ قَـد يَسَّرَ لَكَ سَبيلاً إِلَى العِلمِ؛فَتَيَقَّن أَنـَّهُ مَا اختَصَّكَ بهِ مِن دُونِ الخَلائِقِ؛فَعِندَكَ مَا عِندَ الكَثرَةِ الكَاثِرَةِ؛وَلَئِن تَأَمَّلتَ وَجَدتَ أَنـَّكَ مَا زِلتَ مُفتَقِرًا إِلَى الكَثِيرِ؛فَالعِلمُ بَابٌ وَاسِعٌ؛مَن زَعَمَ الإِحَاطَةَ بهِ؛فَقَد سَقَطَت رُتـبَتُهُ بثُبُوتِ جَهلِهِ .
إِنَّ النَّاقِدَ يُلامُ وَيَستَوجِبُ الازدِرَاءَ إِذا مَا ارتَفَعَ بوَضِيعٍ مِنَ المَكتُوبِ تَقَرُّبـًا إِلَى صَاحِبهِ أَو صَاحِبَتِهِ؛وَجُرمُهُ في هَذَا المَوطِنِ كَجُرمِهِ إِذا مَا تَعَالَمَ عَلَى مَن يحَتَاجُ إِلَى العِلمِ .
لَقَد وَجَدتُنِي مُذ كُنتُ صَبيًّا أَحيَا بَينَ الكُتُبِ وَالعِلمِ؛لا أَعرِفُ مِنَ الحَيَاةِ غَيرَ هَذَا؛وَلا أَرَى بهَا مِن لَذَّةٍ سِوَى التَّحصِيلِ وَالمَعرِفَةِ؛وَمَا أَحسَبُنِي مِن بَعدِ انقِضَاءِ عِقدَينِ مِن تَارِيخِ زَمَنِي إِلاَّ كَطَالِبِ نَهرٍ بالصَّحرَاء؛يُرِيدُ أَن يُجَرِّبَ كَيفَ هُوَ السَّيرُ فَوقَ المَاء !
وَلِذَا؛فَإِنـَّكَ لا تجَـِدُنِي أُبـغِضُ أَحَدًا كَبُغضِي لِمَن ظَنَّ أَنـَّهُ شَرِبَ فارتـَوَى؛
وَمَن كَانَ حَالُهُ هَكَذَا؛وَضَعنَا القَدَمَ فَوقَ اسمِهِ؛وَمَضَينَا نُكمِلُ طَرِيقَنَا؛
وَنَستَعِيذُ باللهِ مِن سَفَهِ نـَفسٍ وَحَقَارَةِ طَبعٍ !
وَسُبحَانَ مَن وَهَبَ الأَرزَاقَ وَالعُقُول !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.