قصة قصيرة
السلطة...شريط من النوع الآخر
أعلن عن قدومه، فنزل
النبأ كالصاعقه وانساب بين الحرس كالحية الرقطاء، فتوقفت الأنفاس وتجهمت
الوجوه، أخلي الرواق وعطر المكان وانتصب الكل واقفا متسمرا، وكأن على
رؤوسهم الطير،.
لحظات، وإذا به يبدو للعيان، شامخا متبخترا في مشيته، وكأن الأرض لا تسعه، يتصفح الوجوه ويتحسس الأنفاس، عله يصطاد زفيرا أو نفيرا.
فتح له باب المكتب وعلى أقل من مهل أغلق من خلفه. توجه إلى منضدته الطويلة
العريضة، اختار جانبا منها وجلس عليه. أمسك بسماعة الهاتف وأطال الحديث.
وضع السماعة مكانها، تناول غلافا كان قد رصد على شانه، ومن دون ان يفاجأ
به، فضه وعد محتواه، فابتسم ساخرا: كان الأولى أن تكون العمولة أكثر
بكثير، لكن لا بأس...
حشا المبلغ في جيبه وخرج على التو إلى سيارته الموشومة. أعفى سائقه من مرافقته، وأخذ طريقه وجهة حانة منزوية على طول الشاطيء.
وهنا استقبل بالبشاشة والترحاب، واختير له المكان الخاص الذي يليق بمقامه،
فجيء له بأرقى الخمور، وتساقطت عليه القاصرات، عفوا الساقطات، وسكبن له من
الخمر ما يطيح بجمل.
قضى وقتا لا يستهان به، وسط رنة الكأس وغنوة الألحان، جمع فيه بين ساعات العمل وساعات ما بعد العمل.
نظر الى ساعة يده، وبكامل التأني، نهض من مكانه، استسمح الفتيات في الإنصراف، فتعجبت إحداهن من كون الخمر لم يأتي عليه.
استأذنته في المبيت معه، فقهقه ساخرا: أهلا وسهلا، شرط ان تنسلخي من انوثتك...
خرج إلى سيارته، وأخذ يجوب الشوارع ذهابا وإيابا، وكأنه افتقد إبرة وسط كومة قش.
وفجأة توقف وإذا بشاب وسيم الصورة، مازال في عداد القاصرين، يقفز إلى
جانبه، ومن دون اخذ ورد ولا حتى مساومة، انطلقت السيارة كالريح، تخترق
الشوارع والأزقة، غير عابئة، بعلامات التشوير.
توقفت السيارة داخل بهو عمارة، فنزلا معا وصعدا المصعد، فانفتح عليهما باب الشقة ليدخلا.
ومن غير سؤال أو تسوال، انكسر الصمت.بدأ التعري وتلاه العناق. سال اللعاب،
تصبب العرق، هاجت الغرائز فتبعثرت الاوراق، واختلطت المفاهيم وكأن عهد
لوط قد ولى...
وفجأة، طارت طائرتهما؛ وقفا وجها لوجه، يحملق الواحد في
الآخر بعد ان ايقن كل واحد منهما ان مقولة: تمسك غريق بغريق تصدق على
كليهما.
رفع يده إلى الأعلى وهوى بها وبقوة على خذ القاصر، وركله خارج الشقة.
وبعد أن هدأت ثائرته، ألقى بنفسه على السرير، أشعل سيجارة وأخذ ينفث دخانها، وعلى أشكال لولبية.
وفجأة هب إلى حيت عدسات الكاميرا، تفقدها فإذا به يجدها شغالة ما زالت تعمل.
لم ترحمه، أتى الدور عليه هذه المرة دون سواه؛ فلطالما استدرج ضحاياه من
أهل السلطة والمال إلى شقته، ليصطاد من خلالهم على أية هفوة أو عثرة لسان؛
تكون زلة عليهم صوتا وصورة؛ ليبتزهم بعدئد أو يعرضهم للسخرية والتشهير.
هز كتفه وقهقه ساخرا: هذا شريط من النوع الآخر.
تأليف: عبدالإله ماهل
الدارالبيضاء/ المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.