وقفة بعنوان : رحيل.
أقبلَ عليها يسعى بلهفةٍ، وأطلتْ تتهادى كباخرةٍ يدفعها الموجُ بصمتٍ
نحو الشاطئِ، نظرتْ في عينيه ، فٱستنفرتْ كوامنَ الحبِّ في داخلهِ ...
ٱهتزتْ الأرضُ تحت قدميه مرارًا إذ فاجأتْهُ بقولها :« غدا سأسافرُ للإحتفالِ بعيد راسِ السنة في منتجع راقٍ....
أحس بانَّ نصفهُ ينفلتُ منهُ ، وبأنَّ قلبه يتشظَّى وجعاً
ولكنه تمالك إذ أردفت وٱبتسامةٍْ بلهاء :« أريدُ أن أستريح ، منكَ بعض الوقتِ ...لن أكتب إليكَ ، ولكن....».
ولأنَّه من طينةِ الكبارِ ...طينة لم تستطع - رغم الزمن- أن تشكِّلَ
منه دميةً تلهو بها ، لم تستطعْ أن تروّضهُ بيدقاً تحركهُ بين أناملِها :
تململتْ في دواخلِهِ جحافلُ الكبرياءِ ...كبرياء نسرٍ تربى في الأجواِءِ
وألفَ الحياةَ بين شواهقِ العزّةِ والإباءِ ، وردَّ ببرودةٍ تعرفُ هي
وجعَها في نفسها ...برودة تهزُّ ثقتها في نفسها وتفتِّتُ جبل الغرور في
داخلها : « أنا لا يُستراحُ مني _سيدتي_ ، أنا....أنا تُحْفةٌ نادرةٌ في
متحفِ الزمن ، صقر - أنا - ايتها السيدة : يعاف الجيف ، و........»
لم يكملْ فقد أحسَّ بالنزفِ في داخله ، وقبل ان يغادرَ نظر في عينيها
نظرةً أربكتها وهمسَ من خلال آهةٍ كفحيحِ ثعبانٍ جريحٍ :«... لقد
أوجعتني...هنيئا»
وهو يتوارى عن ناظريها ، سمعها تهتف بصوت مستدركٍ : « أحبُّكَ....... .» لم يلتفتْ : كان الجرحُ في كرامتهِ غائرًا.
في منتجع الذواتِ ، وفي الليلةِ الموعودةِ كانت في الموعد بكامل
زينتها ، تتضوعُ عطرًا باريسيًّا أربكَ كل من لاحظ حضورها..... وبكل ثقة :
صعدت الركحَ فغنتْ حتى بحَّتْ ، وضحكتْ حتى ثملتْ ، ورقصت بعنفوان ٱمرأة
تنتقم من نفسها ، ومن رجال بطعمِ الدَّنسِ يتمسحون كالكلاب بأثوابها :
تفوح منهم رائحةُ - الويسكي- والتبغِ و...الخنوثة .
أنهت الشوطَ ،
وعادت الى مقعدها منهكةً ... أخذتْ نفسا عميقاً ، ونظرتْ بعفوية
عبرالنافذة ، فتراآى لها طيفه كبيرا ، صامتا ، يتسامى عاليا كعمود من دخان
حتى بلغ العنان.....يتسامى بطهره ونقائه ، ورجولته... ودون أن تعي اسرعت
الى الشرفة تصيح : « ٱنتظرني... » ، وكأنها سمعت ما مفاده : « فات الأوان»
غادرت المكان ، تكفكف دمعها ، وتجر ما بقي من كرامتها ،
ومن يومها أهملت أنوثتها .....نسيت ٱبتسامتها...، ونسيتْ عطرًا ٱسمه : كوكو- شانيل
COCO - CHANEL.
__________هارون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.