كتمانٌ مقبولٌ
ينتابُها حزنٌ كبيرٌ في جميعِ لياليها، كأنَّهُ دفعةٌ متأخرة من الصمتِ المهيبِ، تجاعيدُها غيرُ متساويةٍ تفجرُها مزاجياتُ رجلٍ يعاني نزيفاً داخلياً في عقلهِ، يراها شخصاً عادياً، مع أنَّ أخلاقَها يفوحُ منها عطرُ عجيبٌ ومذاقٌ غريبٌ.
ذاتَ ليلةً ضاقَ صدرُها كثيراً، وتشوشتْ لحظاتُ السعادةِ القليلةِ في ذاكرتِها على أهدابِ عينيها، ذبُلَت أيامُ الربيعِ بعدَ أنْ حطّمَها الزمنُ الغادرُ، ولكنَّ الشيءَ المؤكدَ إنَّ هناكَ سرٌ متأخرٌ في الإجابةِ عن حزنِها، ولأنَّ الماضيَ ذهبَ كرهَتْهُ حين تطايرَ في السماءِ، لقد كانَتْ أقوى من أنْ يقتلَها أمرٌ تافهٌ.
كلما لوّنَتْ مدينةَ قوسِ قزحِها، بملامحِ رجلٍ من ذاكرةِ الطفولةِ، خرجَ رجلٌ عليها وأكلَ حقيبةَ خبزِها، فيعيدُ لها يومياً كتابةَ أنشودِة المطرِ على وجهِها، على أنَّ وسادتَها كانَتْ تعتذرُ إليها بينَ الفينةِ والأخرى، ثم إنَّ ملائكةَ الصمتِ الحافينَ بمحرابِها، يهمسونَ لها أنْ توجهي لدقائقَ قرانيةٍ، لتنقلَكِ الى قائمةِ الصابرينَ، لينسجوا لها كفناً من نورٍ رغمَ كلِّ أنواعِ الدُّهمةِ، والظُّلمةِ، لكنَّها بعدَ هذهِ الدقائقِ النورانيةِ، تُجهزُ على الليلِ بأكملهِ، وقد أدمجَتْ ألمَها الموهقَ مع شتاتِ القمرِ.
خاطبَتُ النجومَ: الدنيا كسرَتْ أصابعي، وأنا بحاجةِ الى جرعاتِ وصالٍ، إخرّسَ لسانُ النجومِ وبسطَتْ قبضتَها على خاصرتِها المتوجعةِ، وقالَتْ: سأتركُ ورقةً بيضاءَ بجانبِي، وأكتبُ طلبي وسيأتي بابا نوئيل، وسيختطفُها على حينِ غرةٍ، فهمسَتْ لها نجمةٌ الحبِّ: أكتبي شرطَ أنْ تكتمي إتفاقَنا ما زالَ الرمقُ فيكِ.
أجابَتْها: نعم بكلِّ تأكيدٍ سأكتمُ ما شئتِ، قالَتْ نجمةُ الخيرِ: أغلقي الباب وتعالي الى حُضني، أنا أسمعُ صدى أنفاسِكِ، هل أنتِ خائفةٌ؟ ردَّتْ عليها: الشوقُ لأسرتي يأكلُ نبضَ قلبي، وداخلَ بيتي هناكَ صحراءٌ تمتهنُ الإذلالَ، والإهانةَ، والإحباطَ، حتى كأنَّ الياسمينَ غادرَ حديقةَ عمري الى الأبدِ، فأنا أعيشُ على سطحِ الذاتِ هاربةً من العمقِ البائسِ، أنا ميتةٌ على قيدِ الحياةِ، يا ويلتي الرجلُ سينهضُ قبلَ طلوع الشمسِ، يا نجماتُ إذهبْنَ الآنَ، عندَها كتبَتْ نجمةٌ المساءِ على ورقتِها: يوماً ما ستجمعُ الدنيا شظايا قلبكِ المنكسرِ، توجهي لله فقط، وإستعيني بالصبرِ والصلاةِ فلكلِّ منهما مذاقٌ خاصٌ!
وكتبَتْ نجمةُ الفجرِ: أحياناً عليكِ أنْ تتقبلي حقيقةَ أنَّ ما حدثَ قد حدثَ، وأنَّهُ لا يمكنُكِ تغييرَهُ، لكنْ بإمكانكِ صناعةُ المستقبلِ، قالَتْ نجمةُ الشمالِ لصديقاتِها: سنحضرُ خلطةً سحريةً من السماءِ، لنمطرَ حياةَ هذهِ المرأةِ بالألقِ والتفاؤلِ من جديدٍ، على أنْ نجعلَ من زوجِها الشيخِ، طيراً جريحاً يتخبطُ داخلَ حقيبةِ صيادٍ، فيشعرُ بالذنبِ لأنّهَ عاملَها بتلكَ القسوةِ طوالَ السنواتِ الماضيةِ.
كشّرَ الدراكولا الخبيثُ عن أنيابهِ، لإفتراسِ قوسِ قزحٍ ذاتَ ليلةٍ، وفي طريقهِ اليها تعثرَ بخشبةٍ كبيرةٍ قربَ الموقدِ، فالتفَتْ سيقانُهُ بخيوطٍ من الليلِ، والسحابِ المتعاطفِ مع المرأةِ، فلم يستطعْ الوقوفَ مرةً أخرى! إنَّها فرصةٌ ليهذبَ نفسَهُ!
وثيقةُ إدانةٍ كتبَتْها نجماتُ الصمتِ المتلألئة على يدِها، لكنْ هذهِ المرةَ لتقفَ مع زوجِها الشيخِ لأنَّهُ عاجزٌ، فأصبحَتْ كالألة تفكرُ في الأشياءِ من خلالِ أشياءٍ أخرى، إنَّها في مهمةٍ جديدةٍ. زارَتْها نجمةُ الشمالِ في الليلةِ الثانيةِ، وقالَتْ لها: الرجلُ الحقيقيُّ لا يخافُ نجاحكِ، ولا يهابُ قوتك،ِ ولن يحلمَ بالسيطرةِ عليكِ مرةً أخرى، والبقيةُ ستأخذُ أماكنَها الصحيحةِ، وفي اليومِ التالي جاءَ أقاربُ الزوجِ، وتجمعوا حولَها فهي ما تزالُ يداها تهطلُ عليهم بالعطايا الجزيلةِ، فقد رُزِقَ زوجُها بخيرٍ كثيرٍ، لأنَّها أدارَتْ عملَهُ بكلِّ أمانةٍ وإخلاصٍ، وكما يقولُ عنها الجميعُ: كائنٌ خالصٌ لوجهِ اللهِ تعالى...
الى اليومِ ما تزالُ النجماتُ تزورُها وتجوبُ قوافلَ البيتِ، لتملأَها بخلطةِ الصبرِ، والطيبةِ، والعفةِ، وصلةِ الرحمِ، وبقيتْ أصواتُهنَّ الغامضةُ سراً تلتهمُهُ خيوطِ الفجرِ، إنَّهُ كتمانٌ معقولٌ ومقبولٌ.
الحربُ هيَ سببُ هذا الزواجِ، فلقدْ كانَتِ الفتاةُ الناجيةَ الوحيدةَ من أسرتِها في تفجيرٍ استهدفَ مدينتَها، وبقيَتْ معَ عمِها الذي كانَ يفكرُ هوَ الآخرُ بإنقاذِ عائلتِهِ.
أمل الياسري/ العراق
ينتابُها حزنٌ كبيرٌ في جميعِ لياليها، كأنَّهُ دفعةٌ متأخرة من الصمتِ المهيبِ، تجاعيدُها غيرُ متساويةٍ تفجرُها مزاجياتُ رجلٍ يعاني نزيفاً داخلياً في عقلهِ، يراها شخصاً عادياً، مع أنَّ أخلاقَها يفوحُ منها عطرُ عجيبٌ ومذاقٌ غريبٌ.
ذاتَ ليلةً ضاقَ صدرُها كثيراً، وتشوشتْ لحظاتُ السعادةِ القليلةِ في ذاكرتِها على أهدابِ عينيها، ذبُلَت أيامُ الربيعِ بعدَ أنْ حطّمَها الزمنُ الغادرُ، ولكنَّ الشيءَ المؤكدَ إنَّ هناكَ سرٌ متأخرٌ في الإجابةِ عن حزنِها، ولأنَّ الماضيَ ذهبَ كرهَتْهُ حين تطايرَ في السماءِ، لقد كانَتْ أقوى من أنْ يقتلَها أمرٌ تافهٌ.
كلما لوّنَتْ مدينةَ قوسِ قزحِها، بملامحِ رجلٍ من ذاكرةِ الطفولةِ، خرجَ رجلٌ عليها وأكلَ حقيبةَ خبزِها، فيعيدُ لها يومياً كتابةَ أنشودِة المطرِ على وجهِها، على أنَّ وسادتَها كانَتْ تعتذرُ إليها بينَ الفينةِ والأخرى، ثم إنَّ ملائكةَ الصمتِ الحافينَ بمحرابِها، يهمسونَ لها أنْ توجهي لدقائقَ قرانيةٍ، لتنقلَكِ الى قائمةِ الصابرينَ، لينسجوا لها كفناً من نورٍ رغمَ كلِّ أنواعِ الدُّهمةِ، والظُّلمةِ، لكنَّها بعدَ هذهِ الدقائقِ النورانيةِ، تُجهزُ على الليلِ بأكملهِ، وقد أدمجَتْ ألمَها الموهقَ مع شتاتِ القمرِ.
خاطبَتُ النجومَ: الدنيا كسرَتْ أصابعي، وأنا بحاجةِ الى جرعاتِ وصالٍ، إخرّسَ لسانُ النجومِ وبسطَتْ قبضتَها على خاصرتِها المتوجعةِ، وقالَتْ: سأتركُ ورقةً بيضاءَ بجانبِي، وأكتبُ طلبي وسيأتي بابا نوئيل، وسيختطفُها على حينِ غرةٍ، فهمسَتْ لها نجمةٌ الحبِّ: أكتبي شرطَ أنْ تكتمي إتفاقَنا ما زالَ الرمقُ فيكِ.
أجابَتْها: نعم بكلِّ تأكيدٍ سأكتمُ ما شئتِ، قالَتْ نجمةُ الخيرِ: أغلقي الباب وتعالي الى حُضني، أنا أسمعُ صدى أنفاسِكِ، هل أنتِ خائفةٌ؟ ردَّتْ عليها: الشوقُ لأسرتي يأكلُ نبضَ قلبي، وداخلَ بيتي هناكَ صحراءٌ تمتهنُ الإذلالَ، والإهانةَ، والإحباطَ، حتى كأنَّ الياسمينَ غادرَ حديقةَ عمري الى الأبدِ، فأنا أعيشُ على سطحِ الذاتِ هاربةً من العمقِ البائسِ، أنا ميتةٌ على قيدِ الحياةِ، يا ويلتي الرجلُ سينهضُ قبلَ طلوع الشمسِ، يا نجماتُ إذهبْنَ الآنَ، عندَها كتبَتْ نجمةٌ المساءِ على ورقتِها: يوماً ما ستجمعُ الدنيا شظايا قلبكِ المنكسرِ، توجهي لله فقط، وإستعيني بالصبرِ والصلاةِ فلكلِّ منهما مذاقٌ خاصٌ!
وكتبَتْ نجمةُ الفجرِ: أحياناً عليكِ أنْ تتقبلي حقيقةَ أنَّ ما حدثَ قد حدثَ، وأنَّهُ لا يمكنُكِ تغييرَهُ، لكنْ بإمكانكِ صناعةُ المستقبلِ، قالَتْ نجمةُ الشمالِ لصديقاتِها: سنحضرُ خلطةً سحريةً من السماءِ، لنمطرَ حياةَ هذهِ المرأةِ بالألقِ والتفاؤلِ من جديدٍ، على أنْ نجعلَ من زوجِها الشيخِ، طيراً جريحاً يتخبطُ داخلَ حقيبةِ صيادٍ، فيشعرُ بالذنبِ لأنّهَ عاملَها بتلكَ القسوةِ طوالَ السنواتِ الماضيةِ.
كشّرَ الدراكولا الخبيثُ عن أنيابهِ، لإفتراسِ قوسِ قزحٍ ذاتَ ليلةٍ، وفي طريقهِ اليها تعثرَ بخشبةٍ كبيرةٍ قربَ الموقدِ، فالتفَتْ سيقانُهُ بخيوطٍ من الليلِ، والسحابِ المتعاطفِ مع المرأةِ، فلم يستطعْ الوقوفَ مرةً أخرى! إنَّها فرصةٌ ليهذبَ نفسَهُ!
وثيقةُ إدانةٍ كتبَتْها نجماتُ الصمتِ المتلألئة على يدِها، لكنْ هذهِ المرةَ لتقفَ مع زوجِها الشيخِ لأنَّهُ عاجزٌ، فأصبحَتْ كالألة تفكرُ في الأشياءِ من خلالِ أشياءٍ أخرى، إنَّها في مهمةٍ جديدةٍ. زارَتْها نجمةُ الشمالِ في الليلةِ الثانيةِ، وقالَتْ لها: الرجلُ الحقيقيُّ لا يخافُ نجاحكِ، ولا يهابُ قوتك،ِ ولن يحلمَ بالسيطرةِ عليكِ مرةً أخرى، والبقيةُ ستأخذُ أماكنَها الصحيحةِ، وفي اليومِ التالي جاءَ أقاربُ الزوجِ، وتجمعوا حولَها فهي ما تزالُ يداها تهطلُ عليهم بالعطايا الجزيلةِ، فقد رُزِقَ زوجُها بخيرٍ كثيرٍ، لأنَّها أدارَتْ عملَهُ بكلِّ أمانةٍ وإخلاصٍ، وكما يقولُ عنها الجميعُ: كائنٌ خالصٌ لوجهِ اللهِ تعالى...
الى اليومِ ما تزالُ النجماتُ تزورُها وتجوبُ قوافلَ البيتِ، لتملأَها بخلطةِ الصبرِ، والطيبةِ، والعفةِ، وصلةِ الرحمِ، وبقيتْ أصواتُهنَّ الغامضةُ سراً تلتهمُهُ خيوطِ الفجرِ، إنَّهُ كتمانٌ معقولٌ ومقبولٌ.
الحربُ هيَ سببُ هذا الزواجِ، فلقدْ كانَتِ الفتاةُ الناجيةَ الوحيدةَ من أسرتِها في تفجيرٍ استهدفَ مدينتَها، وبقيَتْ معَ عمِها الذي كانَ يفكرُ هوَ الآخرُ بإنقاذِ عائلتِهِ.
أمل الياسري/ العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.