أهم الاخبار

مجلة نداء الرؤح لفرسان الكلمات رئيسة مجلس الادارة الأستاذه نداء الرؤح )

السبت، 15 ديسمبر 2018

خولة بنت الأزور بقلم د. صالح العطوان الحيالي


خولة بنت الأزور"تنكرت بزي الفرسان لتنقذ اخاها 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق-4-12-2018
الجبان لا يمكن أن يكون عزيزاً شريفاً لذا فإنه يألف الكسل ويحب الظلام ويعيش عالة على الآخرين متبعاً لهم دون تمييز. يقول الجاحظ في تعريف الشجاعة: هي الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت، وقيل في تعريفها أنها الصبر والثبات والإقدام على الأمور النافع تحصيلها أو دفعها وتكون في الأفعال والأقوال. وقد قيل أيضاً إن الشجاعة عماد الفضائل من فقدها لم تكمل فيه فضيلة يعبر عنها بالصبر وقوة النفس.
وأعظم ما يمد الشجاعة ويقويها في النفس الإيمان وقوة التوكل على الله عز وجل، وكمال الثقة به سبحانه واليقين بأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما يقوي الشجاعة في القلب الإكثار من ذكر الله جل جلاله كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا وأذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون"، ومن أسباب تقوية الشجاعة تمرين النفس على إلقاء الخطب والكلمات عن علم في المجالس لغرض فائدة الناس وبإخلاص نية، ومن أسباب تقويتها قرآءة سير الشجعان وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث ثبت على تبليغ الدعوة وصبر عليها رغم ما لقيه من عنت وأذى. ومن عوامل تكوين غرس الشجاعة في النفس التأمل في هوان مكانة الجبناء في المجتمعات والتفكر في عاقبة المواقف الشجاعة وقد قيل: إن الشجاع محبب حتى إلى عدوه، والجبان مبغض حتى إلى أمه.
والمرأة الشجاعة هي صاحبة القلب الثابت على الخير القابضة على دينها، هي التي حققت التوكل على ربها وآمنت بالقضاء خيره وشره فلا تجدها في الضراء إلا مالكة لنفسها راضية بما قضى الله عز وجل، ولا تجدها في السراء إلا متقية ربها في مال أو ولد أو غير ذلك..
البنت الشجاعة ليست تلك الجريئة على محارم الله بل هي التي أعلنت عبوديتها لربها دون خجل، البنت الشجاعة هي التي جاهدت نفسها بتعلم الخير وبقمع شهوتها وجاهدت غيرها بتزيين الحق والدعوة إليه ومدافعة الباطل والإنكار دون تردد بالكلمة الطيبة والوسائل الشرعية.
المرأة الشجاعة في فكرها هي التي تسخر العلوم كلها لنشر الخير بين الناس فتساعد المخدوعة بمعسول الكلام، وتقف مع المنكوبة بفقد مال أو عيال. والمرأة الشجاعة في تصرفاتها تعرف كيف تسيطر على نفسها وإنفاقها لمالها فلا تصرف مالها إلا بقدر لأنها لا تنظر إلى آراء الآخرين في لبسها أو حليها بل لقوة قلبها وثقتها في نفسها تقتني ما ترى أنه يحقق التوسط بعيداً عن الإسراف والتقتير. المرأة تحتاج إلى الشجاعة لأنها تعينها على اجتياز أكثر الظروف الأسرية صعوبة فتتحول المحنة إلى منحة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
خولة بنت الأزور (شجاعة فائقة) يرتبط تاريخ حياة بنت الأزور بضروب البطولة التي أبدتها في واقعة أجنادين. وفيها التحم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بالروم بقيادة هرقل، فقد فاقت ببسالتها وشهامتها ما قام به الرجال، وحاربت مستخفية لاطلاق سراح أخيها ضرار من الأسر.....
وحضت النساء على خوض غمار الحرب دفاعا عن الأسرى وذودا عن الإسلام. هذه بنت الأزور، التي أسرت مرة هي وبعض النساء أثناء حرب المسلمين مع الروم، فحرضت النساء على التخلص من الأسر، ولما لم يكن معهن سلاح اقتلعن أعمدة الخيام وأوتادها وحاربن بها ضد الروم تحت قيادة خولة بنت الأزور إلى أن نجين من الأسر.
ويقال إن هذه البطلة المحاربة أسر أخوها ضرار بن الأزور في الحرب، فتنكرت في زي فارس، وامتطت جوادها مدججة بالسلاح واخترقت الصفوف وقتلت منهم عددا كبيرا، معرضة نفسها للموت. وكان المسلمون ومعهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد- رضي الله عنه-. يترقبون بإعجاب، معتقدين أنها رجل، حتى خرجت من المعركة ورمحها يقطر دما، فالتفوا حولها، ولما عرفوا أنها فتاة اشتعلت حماستهم وتقدموا في شجاعة حتى فكوا أسر أخيها. وعادت الحرب سجالا بين العرب والروم في مرج دابق، وفيها أسر ضرار للمرة الثانية فحزنت أخته، وصممت على الانتقام من الروم وفك أسره. واقتحمت بنت الأزور صفوف الأعداء باحثة عن أخيها، فلم توفق إلى العثور عليه، وصاحت: (يا أخي ! أختك لك فداء) واشتد حماس المسلمون، وحاصروا أنطاكية، وقد تحصن فيها الروم ومعهم الأسرى وانتصر المسلمون وأطلق سراح الأسرى. بعد جهاد مرير فعاد ضرار إلى أخته فرحين بنصر الله ومنته. 
"يا نساء المسلمين.. يا بنات تبع وحمير ..أترضين لأنفسكن علوج الروم؟ أترضين أن يكون أولادكن عبيداً لهم يسمونهم الخسف والذل؟ أين شجاعتكن؟ اين إباء العرب؟ أين كرامة الإسلام؟ أين شجاعتكن التي تتحدث بها أحياء العرب ومحاضر الحضر؟. إن الموت أهون عليكن من خدمة الروم".
بهذه الكلمات الملتهبة حماسا استطاعت خولة بنت الأزور المرأة التي قل نظيرها بين أشجع الشجعان أن تبث روح الشجاعة والمقاومة بين النساء اللاتي أسرهن الروم في وقعة «صحورا» من أعمال الشام ووضعوهن في مكان شددوا عليه الحراسة.
بعد ان سمعت النساء ما قالته خولة قالت عفراء بنت غفار الحميرية: صدقت والله يا ابنة الأزور، نحن كما ذكرت شجاعة وإباء.. وان السيف يحسن فعله في مثل هذا الموقف، وإنما دهمنا العدو على حين غفلة منا، وما نحن إلا كالغنم بدون سلاح، وتداول النساء وخولة الرأي وكانت كل أسيرة تتمنى الموت ولا تكون لعلج من علوج الروم، ولكن أين السلاح؟.
السلاح هو كل ما ينقصهن، اما الشجاعة ورباطة الجأش وقوة القلب فعندهن منها ما ليس لدى الأعداء.
فقالت خولة بنت الأزور: يا بنات التبايعة. خذن أعمدة الخيام وأوتاد الأطناب ولنحمل بها على هؤلاء اللئام، فإما الشهادة واما النجاة والله ناصر من ينصره.. يا بنات التبايعة لنخلص أنفسنا من العار قبل أن يجللنا أو يجلل احدانا لنصدق في اللقاء ولنتكل على الله.
وقادت خولة بنت الأزور الأسيرات وألقت عموداً على عاتقها واستعدت لخوض المعركة وقالت لهن: إياكن والضعف والفرار، لنكن جميعا، ولا يفترق بعضنا عن بعض، حتى لا يقع علينا التشتت، واحطمن رماح القوم واكسرن سيوفهم، وكبرن في القتال واصبرن.
وبرزت خولة بعد ان شدت ثيابها على نفسها وخلفها عفراء بنت غفار أم ابان بن عتبة وسلمة بنت زارع، وروعة بنت عملون، وسلمة بنت النعمان ومن معهن من النساء. وكلهن يحملن أعمدة فبادرت خولة حارسا بالعمود الذي تحمل فأردته، وشد النساء على الحراس والجند وقاتلن قتالاً رهيباً.
وذهل الروم من المفاجأة غير المنتظرة وأخذت خولة رمحاً تقاتل به، وتتقي طعنات الرماح وضربات السيوف بعمود في يسراها حتى بددت جموع الروم بمن معها من النساء البطلات وخلصن أنفسهن من أسر الروم. وعدن إلى معسكر المسلمين ليقاتلن في صفوفهم من جديد ويجاهدن لإعلاء كلمة الله.
صفات خولة
ــــــــــــــــ : لقد كانت امرأة جميلة فارعة الطول، قوية البنية، شديدة الأسر، مع رقة ولطف. جمعت كل صفات الفروسية وفاقت الأبطال والشجعان حتى ظنها الصناديد بأنها سيف الله خالد بن الوليد في بعض حروب المسلمين للروم بل ان خالد بن الوليد أعجب بها لما رأى أعمالها البطولية التي لم يشهدها في بطل. لقد رأى خالد بن الوليد فارساً فارع الطول يرتدي ثيابا سوداً، وعلى وسطه حزام وعلى رأسه عمامة خضراء تكاد تغطيها ثيابه، ويطير بفرسه حتى ليترك الفرسان خلفه وينقض على صفوف الروم انقضاضا، ويسأل خالد في دهشة وإعجاب: ليت شعري من هذا الفارس الشجاع؟.
ويعجب خالد والمسلمون من ذلك الفارس الذي مزق صفوف الروم شر تمزيق وادخل الفزع والرعب في قلوب أبطالهم والفارس يصول ويجول يميناً وشمالاً وقلق خالد عليه وسمع المسلمون صوت رافع بن عميرة وهو يهتف معجباً: من يكون هذا الفارس غير خالد بن الوليد؟ ولكن يرى خالداً يشرف عليه فيسأله رافع: من الفارس الذي يتقدمنا، فيقول خالد: والله إني لأشد انكاراً منكم له، والله لقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله!! فقال رافع: والله انه لمنغمس في عسكر الروم لا يباليهم وهنا صاح خالد: يا معشر المسلمين احملوا بأجمكم وساعدوا الحامي عن دين الله وطار خالد يريد الفارس ويتبعه المسلون وكان الفارس يجندل الروم الذين يتزاحمون عليه وهو يصرعهم ويخذلهم حتى عاد إلى صفوف المسلمين وقد تخضب بالدماء.
فكبّر خالد وكبّر المسلمون واقبلوا على الفارس قائلين: لله درك من فارس ذاد عن دين الله وفتك بالمشركين شر فتكة؟. اكشف لنا عن لثامك.. وقال له خالد: لله درك من أنت؟.. لقد شغلت قلوب المسلمين.. فأجابه الفارس: أنا خولة بنت الأزور علمت ان ضراراً أسيرا فجئت انتقم له وأفك أسار أخي، وأجاهد بذلك في سبيل الله. واستبد الحزن بخولة فأخذت تبكي بكاء شديدا وتقول:
أبعد أخي تلذ الغمض عيني ....وكيف ينام مقروح الجفون؟ 
وإني ان يقال مضى ضرار لباكية بمنسجم هتون
وبكى المسلمون لبكائها.. وهنا رأوا فرقة من الروم تقصد إليهم فاستعدت خولة وخالد والمسلمون ولكن الفرقة ألقت سلاحها وطلب قائدها الأمان فأعطيه وسأله خالد عن ضرار بن الأزور فأجابه: بأن ضراراً قتل ابن عاهلنا وقتل منا عدداً عظيماً فتكاثرنا عليه وأسرناه وبعثناه إلى عاهلنا في حراسة مائة فارس إلى حمص ففرح خالد ودعا رافع بن عميرة وقال له: ما أعلم أحداً أخبر منك بالمسالك. وما في الأرض من هو أكثر منك حيلة وتدبرا، فاختر معك من تشاء والحق بالقوم وانقذ منهم ضراراً. فاختار مائة فارس فعلمت خولة بذلك فرجت خالد بن الوليد ان من بين من يسيرون مع رافع فأذن لها.
وسار الركب على اسم الله يطوي الأرض طياً حتى وصل على مقربة من "سلمية" وهي قرية تابعة لحماة ففحص رافع الأرض وقال لأصحابه: أبشروا فالقوم لم يصلوا بعد. وكمن المسلمون في واد وبينما هم كذلك لاحت لهم غبرة فقال رافع أيقظوا خواطركم وانتبهوا واستعدوا حتى إذا دنا القوم وفي وسطهم ضرار كبرت خولة وكبر المسلمون وطارت خولة فكانت كالشهاب المنقض وتبعها المسلمون وبعد ساعة انجلت المعركة عن قتل جميع حراس ضرار.
واستطاعت خولة أن تفك أخاها من الأسر، وتاريخ خولة يعد من أشرف تواريخ الأبطال رجالاً كانوا أم نساء، ويكفي ان خالد بن الوليد أعظم أبطال الاسلام قد وقف معجباً بشجاعتها النادرة وبطولتها الفذة.
وهي من ربات الشجاعة والفروسية ، خرجت مع أخيها ضرار بن الأزور إلى الشام وأظهرت في المواقع التي دارت رحاها بين المسلمين الروم بسالة فائقة خلد التاريخ اسمها في سجل الأبطال البواسل، فأسر أخوها ضرار في إحدى الموقعات فحزنت لأسره حزناً شديداً. وقالت :
لا مخـبـر بـعـــد الــفراق يخبرنـــا ..... فمن ذا الذي يا قوم أشغــلكم عنا
فـلو كـنــت أدري أنـه آخــر اللقـــا ..... لكــنا وقفنــا للــوداع وودعنــــا
ألا يا غـراب البـيـن هـل أنت مخـبري ..... فهـل بقــدوم الغائــبين تبشرنـــا
لقــد كـانـت الأيـام تزهــو لقربــهم ..... وكنا بهــم نزهو وكانوا كما كنا
ألا قاتـل الله الـنـــوى مــا أمــرّه ..... وأقبــحه ماذا يريــد الـنوى مــنا
ذكــرت لـيلـي الجـمــع كـنا سـويـة ..... ففـرقنا ريــب الزمـان وشتتــــنا
لئــن رجعوا يـومـاً إلـى دار عـزهــم ..... لثمنــا خفافــاً للمطــايـا وقبلنــــا
ولـم أنـس إذ قــالوا ضـرار مقيــد ..... تركنـاه فــي دار العــدو ويممــنا
فمـا هـذه الأيـام إلاّ مـعـارة ..... وما نحن إلاّ بمـثل لفظ بلا معنى
أرى القلب لا يختار في الناس غيرهم ..... إذا ما ذكرهم ذاكر قلبي المضنى
سلام على الأحباب في كل ساعـــة ..... وإن بعدوا عنا وإن منعوا منـــــا
وقالت أيضاً:
أبعد أخي تلذ الغمض عينــي ..... فكيف ينام مقروح الجفــــون
سأبكي ما حييت على شقيـق ..... أعز علي من عيني اليميــــن
فلو أني لحقت به قتيــــلاً ..... لهان عليّ إذ هو غير.هــــون
وكنت إلى السلو أرى طريقا ..... وأعلق منه بالحبل المتــــــين
وإنا معشر من مات منــــاً ..... فليس يموت موت المستكيـن
وإنـي إن يقـال مضى ضرار ..... لبـاكـية بـمـنـسـجم هــتون 
وقالـوا لـم بكـاك فقـلت مهلاً ..... أما أبكي وقد قطعوا وتيني
من مواقفها ايضا
من مواقفها الرائعة موقفها يوم أسر النساء في موقعة صحورا( بالقرب من مدينة حمص السورية ) . فقد وقفت فيهن ، وكانت قد أسرت معهن، فأخذت تثير نخوتهن، وتضرم نار الحمية في قلوبهن، ولم يكن من السلاح شيء معهن. فقالت: خذن أعمدة الخيام، وأوتاد الأطناب، ونحمل على هؤلاء اللئام، فلعل الله ينصرنا عليهم ، فقالت عفراء بنت عفار: والله ما دعوت إلاّ إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرت. ثم تناولت كل واحدة منهن عموداً من عمد الخيام، وصحن صيحة واحدة. وألقت خولة على عاتقها عمودها، وتتابعن وراءها، فقالت لهن خولة: لا ينفك بعضكن عن بعض ومن كالحلقة الدائرة. ولا تتفرقن فتملكن ، فيقع بكن التشتيت، واحطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم. وهجمت خولة وهجمت النساء من ورائها، وقاتلت بهن قتال المستيئس المستميت، حتى استنقذتهن من أيدي الروم، وخرجت وهي تقول:
نحن بنـات تبـع وحمير وضربنا في القوم ليس ينـكر
لأننا في الحرب نار تستعر اليوم تسقون العذاب الأكبر
توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.