قصة العجوز وأربعة رجال
شاب كله شباب وعنفوان أكمل دراسته الجامعية وبحث عن عمل ولم يجد ، مر ذات
مرة على شارع فوجد عجوز جالسة في كومة من الزبالة وجدها ممسكنة بقليل من
الأكل الموجود في تلك النفايات تأكل منها وعندما اقترب قال: يا أمي قومي
تعالي لكي اعطيك أكل مغذي ونظيف ، نظرت له قائلة: والله لقد شبعت يا بني ،
دمعت عيناه امسكها من يدها واجلسها على مقعد كان بالقرب من المكان قائلا
بابتسامة رقيقة :اتودين أن تصبحي أمي الثانية ما رأيك يا أمي؟ أمسكت بيده
بكل حنان قائلة: كثر الله من امثالك يا ولدي لكنني أعرف ظروف الحياة
وصعوبتها لا أريد ادخالك في مشاكلي فأنا لم يتبقى لي سوى القليل وارحل من
هذه الدنيا وأنت في بداية حياتك ينتظرك الكثير لتعمله جزاك الله خيرا اللهم
وفقه إلى كل ما يتمناه وارزقه الرزق الحلال .
وقفت نظرت إليه نظرة
وداع وابتسمت ثم مشت ، فهم كلامها لكنه لم يتركها ، تبعها ولن تغب عن
ناظريه الى ان وصلت إلى منزل صغير قديم دخلت وأغلق الباب، سأل عنها الجيران
قالوا هذه العجوز لديها أربعة أبناء متزوجون، أصابها مرض فتناقلوها بينهم
إلى أن ساءت حالتها فلم يعد أحد يطيق ان تجلس في بيته ، فاتفقوا على أن
يستأجروا هذا المنزل ويدفعوا إيجار سنتين ثم وضعوها هنا ولم يعد يأتي أحد
لرؤيتها غير أننا جيرانها كل حين وحين نزورها ونلبي طلباتها وهي سيدة كبيرة
، في الآونة الأخيرة بدأت تخرج ولا تعود الا ومعها شيء من الأكل وحينما
نسالها تقول لا أدري عرضناها على طبيب قال حالتها غير طبيعية لديها صدمة
ويجب الإعتناء بها لا تتركها لوحدها ،
لكنك تعلم ان كل واحد له ظروفه الخاصة كما تعلم فالاحسن لها أن يأخذها أحد من أبنائها لبيته لكي يعالجها.
لم ينطق بأي كلمة وهو يسمع قصتها التي تأثر بها كثيرا كيف وهي بحالتها هذه
يتركها ابناؤها ما هذا الزمن الذي جعل الأم في الشارع والابن نائم على
فراشه متنعما دون أن يحس بها أو قلبه يحن عليها؟
وقف مستجمع قواه بعدما
احس بغضب عارم في داخله وتمنى لو أنه يلتقي باحد أبنائها يلقنه درسا و
يعلمه معنى البر بالوالدين وحمد الله على أن والدته راضية عنه.
ذهب
إلى منزل العجوز القديم وطرق الباب ففتحت له فامسك بيدها وقال: هيا معي يا
أمي لا أريد أن تقولي شيئا ستذهبين معي شئت أم ابيت لن أتركك هنا بعد اليوم
.
أخذها لبيته عند والدته الطيبة الكريمة رحبت بها أجمل ترحيب ونظفتها والبستها من أجمل ثيابها .
بقيت العجوز معهم فترة من الزمن ، بدأت تحست بالجو الأسري الحنون المترابط
الذي فقدته فدعت الله من كل قلبها أن يسعد قلب هذا الإبن وأمه، وفي يوم من
الأيام دخل الشاب وعلى وجهه فرحة عامرة قال: والدتاي لقد وجدت عملا في
مؤسسة والحمد لله ، فرح الجميع بهذا الخبر السعيد ، وبعمله المتفاني الذي
كله إتقان جاءته حوافز وانتقل في السلم الإداري إلى أن أصبح نائب رئيس
المؤسسة.
بقيت هذه العجوز في بيته بعدما تزوج وأوصى زوجته قائلا هذه
أمي وهذه أمي لا فرق بينهما فكانت زوجته نعم الزوجة تحترم الاثنان وتقدرهما
.
وفي يوم من الأيام أتى أربع رجال لبيته ووجوهم عليها حزن وألم لا
يوصف قال: من أنتم؟ قالوا: نحن أبناء العجوز التي لديك نريد أن نراها ولو
لمرة فكلنا كما ترى مررنا بأسوأ ظروف تخطر على بال أحد كنا تجار فطمعنا في
زيادة الربح واتفقنا على أن نعهد باموالنا لأحد التجار في صفقة ضنناها
مربحة فخسرنا كل أموالنا ورهنا كل ما نملك حتى بيوتنا لتسديد الديون والآن
اصبحنا في الشارع كما ترى مع أسرنا فقلنا كل هذا بسبب عقوقنا لوالدتنا
فاتفقنا على أن نذهب إليها لكن لم نجدها في المنزل الذي اجرناه لها وبعد
كثير من البحث المتواصل عنها قيل لنا أنك أخذتها معك نتمنى أن تتركنا نراها
ولو لمرة واحدة لو سمحت.
سمعت العجوز كل كلامهم لكنها رفضت مقابلتهم قائلة بصوت عال: لم أنجب أولادا أبدا فليذهبوا يبحثوا عن امهم التي ضيعوها.
حاول كم مرة أن يقنعها برؤيتهم فلم تجدي محاولاته وكلما أتوا رفضت مقابلتهم فيزدادون حزن على حزن .
وفي يوم من الأيام وهي جالسة في فراشها اتتها بنت صغيرة لا تتعدى السنتين
والنصف امسكت بيدها وضحكت فامسكتها ورفعتها لحضنها وقبلتها ثم سألت : بنت
من هذه؟ قال لها:هذه بنت ابنك الكبير فحضنتها بشدة وكأنما تحتضن إبنها وهو
صغير ، حينئذ أدخل ابنائها وقال لها: أمي الغالية إخوتي الأربع جاؤوك
يعتذرون فهلا سامحتهم لخاطري ، دمعت عيناها حين راتهم وأصبحت تقبل هذا
وتحضن ذاك والكل يبكي ويقول: سامحينا يا أمنا الحبيبة كم أخطأنا في حقك.
ياله من منظر يجعل كل من راهم يقول: اللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا .
بقلم عطر محمد لطفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.