.. صباح خريفي حزين .الشمس توارت خلف الغيوم، وقطرات شحيحة من الدمع تجمعت بين جفون السماء، وخطى متسارعة بين غدو ورواح..
كل شيء على عجل حتى دخان السيارات الذي يرسم في الأفق عبثا أشكال تتلاشى بسرعة البرق..
دخلت إلى المحطة الواسعة ذات الجدران الساحرة ، وكأنني بداخل كنيسة عتيقة ، كان اليوم أول الأسبوع، والمكان خاليا إلا من بعض المسافرين والأطفال الذين يركضون داخل المحطة.
كنت أرتدي لباسي العسكري المرصع بشارة و وسامين يلمعان فوقه كما تلمع النجوم في ثغر السماء، وكعب حذائي الأسود يكسر هذا الصمت الرهيب.
أخذت مكانا لي وجلست لبرهة أتأمل هذا الجو من حولي، ولم أنتبه إلا على وجه الملاك التي كانت تقابلني على بعد أمتار من مقعدي، فتاة كأنها شطر من نور البدر سقط على كوكبنا وبجانبها رجل مسن يكسو البياض شعر رأسه و لحيته .
بقيت عيناي لوقت طويل تنظر في ورقة من كتاب دون أن ترى أي شيء، كنت مموها بين خلجان خجلي أرصد حسنا بعين أغضها تارة وطورا تأبى أن تطاوعني.
كانت الحسناء تحدث الشيخ وكلما ابتسمت أشرقت شمس نيسانية الدفء من ثغرها. وكنت أرتعد خجلا كورقة خريف تتساقط من غصنها، وكلما التفت ناحيتها وجدتها تنظر إلى جهتي طويلا ولا تكاد تغير اتجاه نظراتها، فكانت عيناي تلوذ بالفرار من جمالها الأخاذ خوفا من لظى أشعته.
.. وبينما أنا تائه في هذا الحسن الخرافي وغارق في هذا الحلم الجميل إذ أطلق رجل صفارته معلنا حلول وقت الإقلاع.
بقيت عيناي مركزة عليها وهي تقف وتخرج من حقيبتها السوداء عصا صغيرة بيضاء اللون تمسكت بها ومسكت يد الرجل وهي تتجسس أرضية المحطة بعصاها .
وقفت وقد سرى تيار الحيرة والذهول في دمي..
لقد كانت ضريرة...
وكانت محطتي هذه محطة من محطات الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.