يوميات سائق
الحلقة الثانية
استعجل الخطو ناحية منزله، وكأنه ظفر بصيد ثمين، ويخاف عليه من ضربة عين حاسد قد تأتي عليه، وتقوض عليه ذلك الأمل العالق.
غير أنه أبى أولا إلا أن ينعرج على أقرب محطة طاكسيات من الحجم الكبير، صادفها في طريقه؛ لعله يتوجس منها خبرا أو يتحين منها فرصة، تعفيه عناء بحث قد يطول أمده، يضع من خلالها يده على أول سيارة، قد تكون له بمثابة فاتحة خير، يلج منها سوق الشغل كسائق وبامتياز.
فإذا به وجها لوجه أمام صاحبها "الكورتي"، غريب الأطوار، شبح رث الثياب، ذو قامة يعتريها العوج على شاكلة شبه المنحرف، يكاد التدخين يذهب بمجمل سحنته؛ ليرديه جنسا هجينا من غير بني البشر، صوت مبحوح وكأن به علة أو عليل، ينعق بألفاظ لا يفقه سواها، لسان سليط من طينة الرعاع، أريد به باطلا على رقاب العباد، ابتزاز وشكيمة، ولا مفر منه، إليه يرجع الأمر من عقد ومن حل.
ولا من بديل غيره يذكر؛ بادره بالسلام، فكان رده قهوة وسيجارة.
مكرها أخاك لا بطل، طأطأ رأسه، وأذعن لمشيئته، وأتاه من حيت أراد.
تناول السيجارة وعلى عجلة من أمره، فتت محتواها، صب عليها البعض من الحشيش، وأعاد برمها لتغدو لفيفة، دسها بين شفتيه الداكنتين. أشعلها فتيلها وعلى أنغام جرعات من قهوة ساخنة، انتشاها وعلى أقل من مهل.
وبالكاد التفت اليه، خبط على كتفه، وضرب له وعدا كاذبا، لم يتبين حقيقته إلا بعد حين.
تأليف: أ.عبدالاله ماهل
الدار البيضاء/المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.