الحسناء والوحش :
إن الحب الذي يحدث في زمن الكراهية معجزة
وكثيرا من الوحوش تضعف إذا أحبت
وتصاب بالعجز وتصاب بالغضب من أجل الحبيبة
ومن أجل أن يمر الشعراء في القصيدة هذة القصيدة
أحبها لأنها جميلة حتى لو كانت أنثى ...
وأحبته لأنه اهتم بها ودافع عنها حتى لو كان وحش
لتلك الشقراء اكتب ...
وفي ذاك المساء راوضتني فكرة الرحمة
واخترقتني العواطف بعد ما مارست كل أنواع الوحشية
وأسرفت في سفك الدماء...
وصورتي مطبوعة في عيون كل ضحية
وهزمت الوحوش ...وأكلت لحوم الموتى
وما هزتني جيوش ...وما أضعفتني صرخة
ولا ساورتني رحمة أو شفقة
ألف رمحا طوق أنيابي ولم تثقبني طلقة
هدمت الغابات لأجلها ..وطويت الطرقات
وغزوت الأوقات ...واستنفذت كل الطاقات
لتلك الشقراء اكتب ..
كنت وحشا قبل لقائك
سرت وحشان في فراقك
ولم أزل وحش طيب في مرايا ابتساماتك
برائحة الأنوثة وبرائحة البخور ...
برائحة الصنوبر والنهر الخالي من المشاعر
يتحول البربري إلى عاطفي وشاعر
لا تثيروا غضبي يا أهل الحضارات
هذه الروح روحي وجسدي قبور أموات
سوف أغزوا صروحكم وأهدم كل العمارات
وأقتل رجالكم وأحطم كل المسافات
أعيدوا فتاتي وفكوا حصاري
صورتها في مرآة الغروب تثير أنفاسي
ورائحتها تملأ أنفي بالغزل ...
وعيونها أسرت شوقي والنار لا تطفئها القبل
وأنا لا أعرف الأمل ...
أقاتل وانتصر أقتل ولا أنكسر
على مسارحكم رقصت الحسناء ...
والحسنوات كثر
على مسارحكم ابتسمت الشقراء ...
وهي بصري في العيون السمر
لا جيوش تهزمني ...
ولا نعوش تحملني
وكل الوحوش أنا
ولكن هي حبيبتي وحدي
إلتقينا في الغابة ...
واقترنا بلون فراشة
وحبيان نحن على ضفة النهر
وحبيبان نحن في أنفاس الدهر
تراقصني وتغنيلي ...
وتثير الحنين في غرائز وقتي
تراقصني وتحكيلي ..
وبعيونها تروي وتؤمي
لن أنساها ولن تأخذوها مني ...
هذا دمي ينزف وهذا صوتي
ولا أموت ولن تموت هي في نفسي
أحببتها قبل الغروب وبعد الزوال
احببتها وصارت بي الدروب وسأواصل القتال
ولا محال ولن توقفني أعتى الوحوش ولا الرجال
وأحبتني رغم بشاعة وجهي وبشاعة صوتي
وأحبتني لا لإسمي ولكن لجمال قلبي
تعددت ألقابي وتعددت أسمائي ...
وتعددت صفاتي ولم تتعدد ألواني
قل كلامي... وصوتي يخيف كل أعدائي
جمعوا الجموع لقتلي لكنهم فشلوا
أقاموا القلوع لسحقي ولن ينتصروا
عاركتهم وعاركوني
قتلتهم ولن يقتلوني
ثم تأتي الجميلة ...
لتوقفني بسهام عينيها
وتأتي لتمسح غربتي بحنين يديها
لن أعود للغابة إلا بخطاها
لن أعود لجرم فطرتي في رؤاها
وساعود معها... أينما كنت كانت عيناها
وحذاري من العبث في نفسي
حذاري من زفير صدري
وحذاري من ثورة قلبي
سرت في الساحات أركض وأكسر وأحطم
سرت في الطرقات وأفزعت الجميع ولن أستسلم
سحقت الأشجار فر الجميع من جوار لجوار
فر الجميع أمام صولاتي صغار وكبار
انهارت المباني فزع الليل وتباطىء النهار
حطمت كل الأسوار ..
نسيت ما علمتني في لقائنا الأول من أشعار
ونسيت هويتي في تكمص الأدوار
اركض من مكان لمكان ..
رائحتها في أنفي
وصدى صوتها يلازمني
وروحها تعانقني
أبصر عيونها وعيونها تبصرني
ومن بعيد ألمح طيفها ...
وتأتي بصدى صوتها ..
تقترب ثم تقترب
فتهدأ ثورتي ...
أصدق أو لا أصدق
أذهل ولا انطق
وأعجز عن الصمت
وأعجز حتى عن الكلام
خذيني يا صغيرتي للموت
ولا تتركيني ثانية في الحطام
أحملها عل كتفي ...
وأسير بإستسلام
استسلام الحب والشوق والوئام
وأسير غير مباليا بما أحدثت من حطام
أتنفس ظلها وهي تمسح بيداها على يداي
وتعانق صورتي في بصرها وعيناي
نسير اثنان ..ونمشي في زمان
ولا نلتفت للمكان ونعود للبيان
هذا البيان ...
ولكن سهام الموت كانت تطاردني
وكانت تناديني وكان ظهري لا يحميني
فعبرت في أعضائي دون ألم
واخترقت دمائي وتباطئت القدم
كنت مسرعا للغابة لعالمي الحر
عالمي الوحشي البريء من كل ضر
كنت أحبها وكانت ذاكرتي في البراري
كنت أعشقها وأانس بصورتها التي ملئت فؤادي
تباطئت الخطى ...
وغشغشت الرؤى
وبدأت بالسقوط ..نفس تلو نفس
ولا لأسف على أسف ...
فقدنا الحلم وصعد النفس
بدأت لا اقوى على النزال
خارت قواي واقتربت الآجال
وهي تبكي ...
وأنا أبعدها عن صريخي الأخير
كنت أدفعها لآلى تراني صغير
ولآلى تراوضها الشفقة علي...
وعلى هذا المصير
ذبلت الأنفاس حتى أخر الأنفاسي
وحتى أخر تنهيدة شوق في صدرها وفؤادي
وتيبست الحواس ...
ومات البصر والعيون شاخصة بالصور
لكل صور القتلى والموتى الذين قتلتهم ..
وتبقى صورتها مرآة عيوني في القدر
ومرايا لعيونها في هذا المطر
وعيوني للسماء في صورتها الأخيرة قمر
ماضينا العشق وحاضرنا الموت في السطر
وروحي تحلق بأنفاسها وبصرها العطر
بقلمي ...
أ.غسان حمدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.