قصة قصيرة بعنوان
عتمة الحرية وقطن الصيدليات.
كان اليوم لا
يبشر بالخير ، فمنذ بداية الصباح تخيلت أن كل عصافير الكون في الأقفاص ،
تشهق شهيقا خافتا مرتجفا ، ولم أكن أنا بحال جيدة فالشمس المشرقة لم تمنع
بقايا هواء الشتاء البارد من قرصي فأرتجف كأني دمية بيد طفلة صغيرة تلعب بي
، وتحركني يمينا ويسارا كما تشاء مما يجعلني افقد توازني واشعر باهتزاز في
رأسي .
وقعت على الأرض ، لقد جرحت يدي ، وكانت تنزف الدم ، وفي هذه
الاثناء مرت عربة شرطة فشاهدني قائد العربة ، وكنت أظن بأنه سيجلب شيئا من القطن المعقم كالذي يباع في الصيدليات ، ولكنه سألني :
أين كنت ؟ وإلى أين تذهب ؟ ثم امسك بي ودفعني في مقعد العربة .
وفي الطريق إلى نقطة الشرطة أخذ قائد العربة يتحدث بكثير من الأحاديث ،
وكانت غريبة حقا لأني كنت أفكر بأنني خسرت يوم العمل في هذا اليوم الذي
أخبرني طفلي الصغير في بدايته أن الطيور هربت من سمائنا . كان الشرطي سائق
العربة يضحك على أحاديث قائده ، وكنت أتعجب من جملة قالها :
نحن شرطة المدينة ، إذا ابتسمنا تشحب وجوهكم ، وإذا شحبت وجوهنا تبتسمون .
فقلت له :
_ تستطيع النظر خلفك إلي ، أنا أبتسم كما أنت تبتسم الآن .
ونظر إلي بغضب وقال :
_ والله أضع لك مقاومة رجال الأمن .
وصلنا إلي المركز الأمني ، وقام قائد العربة بتركي أمام ضابط المركز ، وذهب بعد أن قال للضابط :
يتجول في شوارع المدينة ، ويده تنزف الدم، ويبتسم بوجوه القادمين والذاهبين بلا سبب يا سيدي ، والأمر أمرك .
طلب منه الضابط مغادرة الغرفة ، ونظر إلي وسألني :
ماذا حدث ليأتي بك إلي هذا الشرطي ؟
ابتسمت يا سيدي ، ولكنه قال لي نحن من نبتسم وتشحب وجوهكم ، فإذا شحبت وجوهنا أنتم تبتسمون .
وقبل أن أكمل كلماتي وفجأة طلب الضابط أن يحضر الشرطي إليه من جديد ، وعندما جاء قال له :
الآن يا غبي كل وجوهنا شاحبة ، هل تعلم أن غباء غبي مثلك يفسد اوطانا
كاملة ، فتصبح كل وجوهنا سوداء ، لأن الأصل أن نبتاع قطنا معقما من
الصيدليات .
الروائي قدري المصلح
من مجموعة قصص عتمة الأيام
قصة قصيرة بعنوان :
عتمة الحرية وقطن الصيدليات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.