الأربعاء، 29 أبريل 2020

الإنسان وتحصيل المعرفة بقلم شهاب احمد الفضلي

الإنسان وتحصيل المعرفة
ان محاولات البشر منذ القدم في كسب المعرفة جديرة بالاحترام والتقدير، وكل محاولة في ميدان البحث مهما ضؤل عطاؤها وجهدها، كانت دافعاً لما بعدها
لاسيما معرفتنا محاولات الانسان الأول وصعوبتها، وما اكتنفها من قسوة، تجلت بكفاحه الباسل ضد اليأس، وطموحه العجيب في اقتحام المجهول دون ممكنات سوى قدرته على الاستنتاج.
فالبشرية في قديمها البدائي ومحاولاتها المضنية لفهم ظواهر الكون والحياة على امتداد الزمان والمكان وعدم التوقف في تحصيلها لجميع الشعوب والاجناس، جعل منها رصيداً وتراثاً انسانياً مشتركاً. وبتطور البشرية تطورت وسائل تحصيل المعرفة وطرائق بحثها، وفق قانونية (الكم / الكيف) لتمضي المعرفة خطوة على الطريق.
لقد كان الانسان البدائي أعزلاً في مواجهة الحياة إلا من غريزة البقاء، حائراً ومضطرباً أمام الظواهر الكونية وعظمتها، فما يمتلكه من وسائل لاتسعفه في رد تلك القوى المجهولة، لعدم ادراكه عللها واسبابها، فتصور أن لها قوى خفية تسيرها وتتحكم فيها على نحو ما تقدمه لنا اساطيره. وكانت وسيلته لدفعها ان يسترضي تلك القوى ويتقرب اليها، بالضحايا والقرابين، والسحر، والتمائم والتعاويذ. إنها طفولتنا الأولى، يومها كان للأسطورة قوة العلم.
أدرك الأنسان بعد طول معاناة، إن محاولاته لفهم الكون لم تجد معها حيله وعباداته، فاتجه الى عقله، الذي انضجته التجربة والفشل ليستفتيه، في كسب معرفة تمكنه من تحقيق وجوده وبقائه، عندها اكتشف طريق التأمل، وسيلة للمعرفة، ما جعله يتفلسف. وهي لحظة سجل فيها الانسان ولأول مرة انتصار العقل، لتبدأ معرفته النظرية، وبخاصة في الرياضيات، وظواهر الطبيعة ليكتشف مجاهيل الميتافيزيقا، متوهماً الوصول الى جواهر الأشياء. ولم يكن من شأن تلك المرحلة أن تلتمس المعرفة بالتجربة، الا انها أشرت سقوط الكثير من الشعوذة والدجل، وكانت نقلة مهمة في حياة الانسانية لصياغة معرفة يقينية، لاسيما بعد ادراك الانسان قصور عقله عن العلم بما وراء الطبيعة، فتخلى عن غروره في التعلق بغيبيات بعيدة عن متناول تجربته ووسائله واتجه الى التجربة العملية للتحقق من تصوراته الذهنية، مكتفياً بمعرفة خواص العناصر، بدلاً من البحث في كنه أسرارها، لذا لم يطل الوقوف أمام سقوط التفاحة من الشجرة لمعرفة سرها الخفي بل تابع دراستها كظاهرة، حتى وصل بالتجريب الى قانون الجاذبية وكذلك الأجسام الطافية وغير في مجالات المعرفة. ليسخر ما حصل عليه لخدمة الحياة.
اصبح الانسان مقتنعاً ان ازدياده علماً يعني ازدياده شعوراً بما يجهل، وبالرغم مما يمتلكه من وسائل بحث على كثرتها، فما زال طموحه لكشف المجهول واصراره على التحقق العلمي من تصوراته الميتافيزيقية يشكل تحدياً له.
إن العلم يرفض ((الرجم بالغيب)) وفي الوقت نفسه لا يكف عن السعي نحو المجهول.
شهاب احمد الفضلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.