" من مذكرات أستاذ جامعي "
" رفاهية وقت الفراغ "
أعترف أني في مرحلة من مراحل حياتي كنت لا أملك هذه الرفاهية ، مما
جعلني أنظر إلى أقراني بالكثير من الدهشة ، عندما أسمع أنهم يتقابلون على
المقهى مثلاً ، وهو الشيء الذي لم أفعله في حياتي أبداً ولو مرة واحدة ،
فكلما كنت أجد عندي وقت فراغ كنت أذهب إما إلى الأوبرا أو الموسيقى العربية
أو نادي السينما مثلاً ، وعندما كنت أسمع من يقول نتمشى شوية كنت في قرارة
نفسي أحسدهم ، والحقيقة أنني ظلمت من عاش معي لعدم إعطائهم من وقتي ما
يستحقون ، والغريب أنني الأن أسترجع ما
سبق من أيام وأقول كان الله في عونهم ، والأجمل من هذا أنهم لم يشعروني
بالتقصير ، برغم إعترافي به الأن ، أيضاً من الجمال أن يحبك من حولك ولكن
الأجمل أنهم لا يُشعرونك بتقصيرك ، ومنتهى الجمال أن يشعرك من حولك أن كل
تقدم تحققه في حياتِك هو تقدم لهم ، ويصبح المناخ المحيط بك مناخاً مشجعاً
على الإجتهاد وليس مناخاً طارداً ، وأعترف أني قد سافرت كثيراً ولكن مع كل
هذه الأسفار لم يهدأ ويطمئن قلبي إلا في بلدي وبين أهلي ، وأعترف الأن وكأن
بلدي قد طعمتني قبل سفري بمصل عدم التقبل للحياة بعيداً عن قبر أبي وأمي ،
وأعترف بالفضل بل بكل الفضل للسيدة زوجتي التي تحملت كل العبأ عني ، وقامت
في غيابي بالتربية وبالتوجيه لأبنائي وكأنها كانت نسخة من أمي ، وعندما
كنت أغيب وأعود أجد الخير كل الخير في تربية أبنائي وبيتي وكأني ما غبت
يوماً ، فكل ما كنت أريد تنشأة أبنائي عليه كانت هي تفعله ، فبمعاشرتها لي
وكأنها قد سمعت من صدري ومع دقات قلبي ما تمنيته لأهل بيتي ، والأن وأنا
أكتب إعترفاتي وأنا أتمتع برفاهية وقت الفراغ ، أسأل نفسي هل كنت على حق
عندما حرمت نفسي من العيش الرغد بجانب أهل بيتي ، أم كنت محق عندما كنت
أستغل كل وقتي لبناء مستقبلي ونفسي ، وسوف لا أمل السؤال ما طال في الحياة
عمري ، وعزائي كان في إنتاج عقلي وأبحاثي وكتبي وفي أبناء عمري ، وواقع
يشهد لي أني ما أضعت من العمر وقتي.
♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.