" من مذكرات أستاذ جامعي"
" وأه من الغربه "
عندما
تذكر كلمة الغربه ، لا يقدرها إلا من عاشها وتجرع مرارتها ، ورغم أنني
كنتُ مصمماً ، أن يكون ثمن حرماني من مصر تحقيق الأمل الذي من أجله قد
تغربت ، وكان الثمن فعلاً كبيراً ، فعندما كنتُ في إنجلترا أدرس الماجستير
حدث لي ما جعلني أسجله في مذكراتي التي ما تركت الكتابة فيها منذ أن تعلمت
الكتابة ، فعندما كان شهر رمضان المعظم وبعد الإفطار ، كنت دائماً أجعل
بجانبي راديو موجه على الإذاعة المصرية ، وسبق أن كتبت أنا كثيراً عن متعتي
مع الراديو وليس مع التليفزيون ، وأنا في
مصر الراديو دائماً بجانبي في غرفة مكتبي وفي غرفة نومي ، وفي عملي كذلك
فالراديو دائماً بجانبي ، فأنا أجد كل المتعة مع إذاعة القرآن الكريم ومع
البرنامج الثاني مثلاً ومع الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الخفيفة ، هذه هي
كل هوايتي مع وسائل الإعلام ، وكان الراديو هو ونيسي في غربتي ، وحدث في
إنجلترا أن كان الراديو بجانبي دائماً ، ففي رمضان وبعد كل إفطار كنت أجلس
لأسمع إلى تمثيلية تذاع وكان إسمها "شارع عماد الدين" ، وكنت كلما سمعت
التتر للتمثيلية كنتُ أجدني أبكي من الغربة التى بعدتني عن بلادي ، وشارع
عماد الدين كما قرأت عنه كان و "شارع محمد علي" بينهما مشترك ، حيث كان
شارع عماد الدين هو شارع الملاهي الليلية والمسارح المشهورة في القاهرة ،
وشارع محمد علي كان هو الشارع الأشهر في القاهرة لعوالم الأفراح والليالي
الملاح ، إلا أني أقصد غير ذلك في المشترك بينهما ، فكلا الشارعين تغطي
أرضياتهما بواسطة بلاط من البازلت ، غير ما هما عليه الأن حيث يغطي
الشارعين بغطاء من الأسفلت ، ولكن لماذا ذكرت الأن البلاط البازلتي ، قد
يتعجب البعض ولكن هذا ما حدث ، كان تتر التمثيلية عبارة عن موسيقى والخلفية
لحنطور يسير وحوافر الحصان المغطاه بحدوة من الحديد ، تضرب في البلاط
البازلتي فتحدث صوتاً كنت أتأثر به ، فيتحرك في قلبي شوقاً لمصر ، ثم يقوم
المذيع بالقول شارع عماد الدين فيزداد بكائي ، روعة وجمال وشوق وغربه ،
عندما تجتمع كل هذه المعاني يتبعها شعوراً لا يوصف ، 😕
والغريب أن مشاعر الغربة عندي حتى عندما كنت في أمريكا أدرس الدكتوراه لم
تتغير ، وصدق علم النفس عندما ذكر أن البعض يصاب بالحنين لبيته ، إذا ما
بعد عنه ، وهذا هو أحد الأسباب التىي متعتني من البقاء في أمريكا بعد
الدكتوراه حتى بعد أن طلب مني ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.