الأحد، 17 نوفمبر 2019

قصة قصيرة: ردة فعل غير منظرة بقلم احمد علي صدقي من المغرب


قصة قصيرة:
ردة فعل غير منظرة
فتحت هاتفي.. دخلت لصفحتي على الفيسبوك. ضغطت على إشعار لرابط مجلة تعلن نشر قصتي- "السفاح"- على صفحتها.. قلت أعيد قراءتها لتنقيحها مما قد أكون قد ارتكبته من أغلاط إملائية أو نحوية في كتابة كلمات سطورها.. بدأت القراءة.. هممت بإصلاح أول غلط وجدته.. ما أن حَرَّكْتُ قلمي لإنزاله فوق كلمة "افكارها" المكتوبة بهمزة الوصل بدل القطع حتى قطعت طريق قلمي اليها أيادي أبطال القصة.. سقط القلم من يدي.. انسكب مداده فوق الورقة.. تسربت فوقها الحروف. اختفى بعضها.. اختلت المعانى وبدأ اللامعنى يسري بين جمل القصة.. حاولت أخذ القلم .. اختلت حركة أصابعي.. بصق القلم فوق قميصي بصقة مداد لطخته.. قفزت لأقلل من امتداد نقطة الحبر فوق القميص الابيض.. تَعَثَّرْتُ.. سقَطتُ.. فهمت حينها أن لشخصيات القصة دَخْلٌ في الموضوع.. إنه تمرد.. إنه انكار لما أوقعتهم فيه من حرج.. إنه تمرد على مصير اختلقته لهم وما رضوا به.. لم يتحملا تلك المواقف المخيفة التي جعلتهما يعيشانها رعبا وخوفا غير محتملين. 
وأنا في شرودي بين حقيقة وخيال تراءى لي الولد والبنت يقفزان من خلف سطور القصة وقد عزما على ثورة تتغيا انتشال القلم من بين أصابعي.. ارتعدت خوفا مما وقع.. كان شيء غير منتظر.. افزعني.. أخافني.. ارتبكت عندما افتكرت ما حبرته من حروف ركبتها جملا مخيفة أفزعت البنت، ومن كلام غريب اتهمتُ به الولد.. نظرت اليهما.. التبس علي الأمر.. أخذني دوار.. اختلطت فوق الورقة الحروف بالمداد.. لم تعد لها معنى.. خِفْتُ.. نظرت الى القلم وهو بين يدي شخصيات قصتي.. تبرأ مني وأنكر ما كتبه وهو يردد: 
أنا مجرد خادم لإرادة الكاتب و أشار الي.. وهما يلقيان به ارضا حسبتهما يتهيئان للخروج من سياق القصة للوجود بالواقع.. انتابني خوف شديد وندمت على ما حبرته من تلك المواقف المخيفة في حقهما. قالت البنت:
كيف تطفئ أنوار الشارع في تلك اللحظة التي خرجت فيها من المدرسة ليخيم فيه الظلام، وأنت تعرف أننا، نحن النساء، شديدات الحساسية نفسيا في موقف كهذا.. لقد كدت أفقد عقلي من الخوف ولم أعد اعرف ماذا أفعله، خصوصا و أنت تظهر أخي كسفاح يتهددني في تلك اللحظة.. لقد افرزتُ من هرمون الادرينالين كل ما كان بحوزتي وما أعانني منه شيء لمواجهة ما وضعتني فيه من مأزق مخيف.. قال الولد بعدها:
كيف تتهمني بالسفاح وأنا ولد صالح، أحب أختي.. ولن أتجرأ أبدا فعل هذا في حقها.. وكيف تجرأ وتريها خبزة في يدي على أنها سكين لتزيد من درجة فزعها..
ضاق بي المكان.. تعقدت الأمور.. لم يعد لدي سوى مغادرة المكان تاركا قلمي فوق الورقة، تُطوقه حروف القصة المبعثرة فوق سطحها..خرجت و كلي خوف مما تَسَبَّبْتُ فيه من هرع للشابين.. ثم قلت لنفسي:
وصَفَتِ الفتاة النسوة بالخوف ولكن أقول إن في موقف كهذا، الذي أنا فيه، فالرجل والمرأة سيان.. جريت نحو المصعد.. ضغطت على زره لفتحه.. لم يُفْتَحْ.. أعدت الكرة مرة أخرى ويدي ترتعش من الخوف.. فُتِحْ الباب.. دخلت.. فإذا برجل جالس بوسطه وهو يبكي.. ارتفعت سرعة نبضات قلبي.. تعرَّقَت يداي.. جف فمي..شعرت برعشة تخللت كل اطرافي.. احسست حينها بشعور الفتاة حين وضعتها في موقف كهذا.. موقف خوف عرفت الآن أنها لم تكن تتحمله..فاشفقت من حالها بل من حالي انا ايضا الآن..
أردت الخروج..انطفأ ضوء المصعد.. كان الجالس ينتحب في الظلام قربي مما زاد من ذعري.. لم أعد اعرف رأسي من قدمي.. ولا هل أنا في حلم أم في حقيقة.. لمسني الرجل بيده وهو يقول:
لقد اغتصبها الظالم وقتلها وهي في أعز شبابها.. لقد حرمني من العزيزة علي..
رجع النور الى المصعد.. تشبت الرجل بملابسي معينا بها على القيام.. كان يبكي ويردد: ضاعت مني.. ضاعت مني جميلة عمري. لقد اغتنم السفاح ضعفها واغتصبها ثم قتلها.. عرفت حينه أن السفاح الحقيقي قد ضرب ضربة اخرى ومازل القوم لم يعثروا عليه.. أردت ان أهديء من روعه فكنت ارتجف فهدأ هو من روعي.. افترقنا والخوف باد على محياي.. حاولت أن أمتلك نفسي.. رجعت إلى بيتي.. وجدت قلمي فوق الورقة غارقا في مداده.. اعتذرت لشخصيات قصتي.. اخبرتهما أن في الامر التباس وأن ما نسجته خياليا و اوقعتهما فيه، قد حدث اليوم في الواقع وأن هناك سفاح حقيقي لا زال بيننا يجب الحذر منه.. أخذت قلمي.. تفحصته.. كان سالما وفي أتم صحته.. مسحت هيكله.. رويته مدادا جديدا ثم أخذته وبدأت أفكر في بداية كتابة قصة جديدة... 
كتبها: احمد علي صدقي من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.