الأحد، 20 أكتوبر 2019

أصالة التجربة التربوية في التراث الإسلامي بقلم د.صالح العطوان الحيالي

أصالة التجربة التربوية في التراث الإسلامي واحدة من اروع نماذج الحضارة الاسلامية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق - 10-10-2019
المنهجية القرآنية تغوص في أعماق النفس الإنسانية لتزيل الجهالات التي تعوق الإنسان عن معرفتها فطرة سليمة يمكن أن تعلق بها أوضار الخرافة والوراثة والتقليد والبيئة أحيانًا، فتكون حينئذ بأمس الحاجة إلى القوة المعينة والإشراقة الهادية لتتخلص من تلك الأوضار فتسلم بصيرتها وذكاؤها وتمتلئ بأحاسيس وإلهامات التوحيد القرآني عقيدة تسع الوجود الإنساني كله.
ومنهج المعرفة يسمو به القرآن أن يكون مجرد علم أو اطلاع، ولكن نواميس الكون طوع الإنسان بالتسخير الطبيعي وبسيادته على أسرار الخلق والإبداع، ويستوي في ذلك التأمل الفكري المحض وإخضاع الكائنات إلى تجربة الإنسان والإفادة منها إلى أقصى حدودها، وهي معرفة مستطاعة لكل مستويات العقل والإفهام، وبخاصة حين تبلغ الإنسانية رشدها وإشادتها بالعلم مقومًا هامًّا في بناء الحضارة، ومن العجيب أن يغلب القرآن الكريم مفهوم العلمية إلى المنهج الواقعي في عالم الحس ويثمر منهجه حضارة علمية عبقرية خاضعة إلى منشئ القوانين الطبيعية وخالق النواميس الكونية، وفي تحرير العقل وثورته على المعبودات والتقاليد ودفعه إلى التأمل والتفكير، وربط العقل بالحس والتجربة، وآيات الكون ومصائر الأمم، وحقه في الاجتهاد، ما يعطي النفس الإنسانية أبعادًا تربوية بناءة.
والمناخ التربوي الذي أشاعه القرآن الكريم يقوم على العبادة وثمراتها في الخلق والسلوك، فمفهوم الحق والإيمان والثبات تؤصل التربية وتعمق جذورها في الفرد والأسرة والمجتمع والإنسانية، وتوسع قيم العبادة لتجعل منها علاجًا لانحرافات طارئة، وإنارة للحياة، ويقظة فكرية وعاطفية مستمرة، وتطورًا متعاظمًا نحو الأفضل، وتربية على القوة والعزة، وتحررًا من عبودية الأشياء والشهوات وتربية فردية وجماعية، مادية وروحية وعقلية متوازنة.
لقد زخرت حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالمثل القرآنية الحية التي تتجسد في حياته الشريفة وفي توجيهاته التربوية المتعددة الألوان والمعالم، ولا يغيب عن ذهن المثقف حثه على العلم وتفضيله، ووصاياه القولية وسننه العملية في فداء أسرى بدر بتعليم الأسير عشرة من أبناء الصحابة القراءة والكتابة، وأمره زيد بن ثابت تعلم السريانية وغيرها، وإيفاده البعثات التعليمية والوفود التربوية مثل قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر، وبن نويرة، وسعيد بن العاص، ومعاذ بن جبل... إلخ.
وتبعًا لذلك قال الشافعي: بعث في دهر واحد اثنا عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكًا يدعوهم إلى الإسلام، وقد تحرّى فيهم ما تحرى في أمرائه من أن يكونوا معروفين، أضف إلى ذلك تنوع الأسلوب النبوي التربوي في القول الذي يشمل الحكمة القصيرة، والحوار الحيوي، والتمثيل المادي، والقصص الهادف، وفى الوسائل الحسية من رسوم وخطوط لإيضاح الأمور، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم في الرمل يمثل الأمل والأجل، وقريب منه استعمال يديه بالتشبيك وأنامله بالتقارب والتدوير في مواقف عديدة.
فقد تنوعت وسائل النبوة في مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وأخذهم باللين والتدرج، وعدم الغضب إلا في موضعه المناسب، وصبره على إيذاء الآخرين بالقول والعمل، وإقناع الآخرين بالمنطق والواقع، واهتماماته الخاصة بالصبية والفتيان والشباب، والإفادة من المناسبات والوقائع والحوادث، وسبقه إلى العمل وحماسته له، وتميز شخصيته عن الآخرين بالفضائل الإنسانية والخبرات الشخصية، كل ذلك وغيره يشد المسلمين إليه ويحببهم بأحواله، ويصنع منهم خير أمة أخرجت للناس.
النبي صلى الله عليه وسلم .. المربي الأعظم
ـــــــــــــــــــــــــــــــ لقد زخرت حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالمثل القرآنية الحية التي تجسدت في حياته الشريفة وفي توجيهاته التربوية المتعددة الألوان والمعالم. ولا يغيب عن ذهن المثقف حثّه صلى الله عليه وسلم على العلم ووصاياه القولية وسننه العملية في فداء أسرى بدر بتعليم الأسير عشرة من أبناء الصحابة القراءة والكتابة، وأمره زيد بن ثابت تعلم السريانية وغيرها، وإيفاده البعثات التعليمية والوفود التربوية مثل قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر، وابن نويرة، وسعيد بن العاص، ومعاذ بن جبل... إلخ.
ولقد تنوعت وسائل النبوة في مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وأخذهم باللين والتدرج، وعدم الغضب إلا في موضعه المناسب، وصبره على إيذاء الآخرين بالقول والعمل، وإقناع الآخرين بالمنطق والواقع، واهتمامه الخاص بالصبية والفتيان والشباب، والإفادة من المناسبات والوقائع والحوادث، وسبقه إلى العمل وحماسه له، وتميُّز شخصيته عن الآخرين بالفضائل الإنسانية والخبرات الشخصية... الأمر الذي شدَّ المسلمين إليه وحببهم بأحواله، وصنع منهم خير أمة أخرجت للناس.
طلب العلم .. أولى خطوات التربية
ـــــــــــــــــــ يمكن تلخيص الطابع العام للتربية الإسلامية بأن عنايتها تجلّت في نزعتها المثالية في تقديم العلم والحث على طلبه، وفي الاهتمام بالفضائل الخلقية، ثم في مرونتها في طرق التحصيل، واصطباغها بروح الديمقراطية التي قضت على الفروق بين الشعوب والأجناس والطبقات في مجال التعليم والدين، وإعطاء الأفراد فرصًا متساوية في التحصيل لم تكتمل في كثير من الأمم الحديثة اليوم.
وإن الطابع العام للتربية عند المسلمين لم يكن دينيًّا محضًا ولم يكن دنيويًّا محضًا، وإنما كان يلائم بين الدين والدنيا، فكانت التربية تهدف إلى إعداد النشء للحياة وللآخرة معًا في إطار الآية الكريمة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، والحديث الشريف: "ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه".
ولقد وهب كثير من العلماء حياتهم للعلم تحصيلاً وتدوينًا، لا لشيء سوى الإيمان بتحصيل العلم واستشعار اللذة في تدوينه، كما عبر عن ذلك الإمام الغزالي في الإحياء: "إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذًا في نفسه فيكون مطلوبًا لذاته، ووجدته وسيلة إلى الدار الآخرة وسعادتها، وذريعة إلى القرب من الله تعالى، ولا يتوصل إليه إلا به. وأعظم الأشياء رتبة في حق الآدمي السعادة الأبدية، وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها، ولن يتوصل إليها إلا بالعلم والعمل. فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم، فهو إذن أفضل الأعمال".
يحتل العظماء مكانة مرموقة في مجتمعاتهم لما يبذلونه من عطاء و تضحية من اجل رفعة أوطانهم و تقدمه، فلم تقتصر قائمة العظماء و المبجلين على الحكام و الأدباء المشهورين، بل احتوت على فئات عديدة، و من هذه الفئات ” المعلم ” الذي كاد أن يبجل في جميع الثقافات.فالمعلم يلعب دورا كبيرا في بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة في العملية التربوية، إذ يتفاعل معه المتعلم و يكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات و المعارف و الاتجاهات والقيم. و لقد شغـلت قضية إعداد المعلم و تدريبه مساحـة كبيـرة من الاهتمام من قبل أهل التربية و ذلك انطلاقـا من دوره الهام و الحيوي في تنفيذ السياسـات التعليمية في جميـع الفلسفات و على وجه الخصوص في الفكر التربوي الإسلامي، ففي هذه الورقة البحثية سيتضح الفرق بين هذه الفلسفات من حيث كونه كاهنا أم راهبا أم ساحرا أم فيلسوفا أم كما في الفكر الإسلامي بانيا للحضارة و هاديا للبشر و منيرا للطريق.و لأن قيمة الإيمان تتحدد إلى حد كبير بقيمة العمل الذي يقوم به، و لما كان المعلم له قيمة عظيمة في التراث الفقهي و التربوي، احتل المعلم موقعا متقدما من حيث التقدير و التبجيل، مما جعل قضية تكوينه تتأثر باهتمام علماء التربية و الفقهاء.
فالمعـلم ليس خازن للعلم يغترف منه التلاميذ المعارف و المعلومات، و لكنه نموذج و قدوة. ولأن المعلم أمين على ما يحمل من علم كان لا بد له من صياغة و أن يحافـظ على كرامته و وقاره، و لا يبتذل نفسه رخيصة، فذلك من شأنه أن يحفظ هيبته مكانته بين الناس
و من الشعر فيما يروي عن القاضي عبد العزيز الجرجاني: 
و لم أبتذل في خدمة العلم مهجتي......لأخدم من لاقيـت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا و أجنيه ذلــة .... إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
و لو كان أهل العلم صانوه صانهم.....و لو عظموه في النفوس لعظما
و لكـن أهانوه فهـان و دنسـوا .....محياه بالأطمـاع حتـي تجهما
الفكر التربوي الإسلامي يستمد أصوله النظرية والتطبيقية من منهجية تكوينية قيمية، استلهمها من ينابيع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اللذين يهديان النفس البشرية والمجتمع الإنساني إلى أقوم السبل وأفضلها. وقد نجحا في واقع الحياة على رقعة واسعة من الأرض والمعمورة، وما تزال ينابيعهما ثرة خيّرة يمكنها أن تجد التجربة الناجحة، وتروي ظمأ الإنسانية، وتحل مشاكلها في كل زمان ومكان.
طابع التربية الإسلامية
ــــــــــــــــــــ
تأثرت التربية في الحضارة الإسلامية بالتقاليد والمبادئ الإسلامية تأثرًا واضحًا، فالدولة الإسلامية ظلت محتفظة بطابعها الديني حتى عندما خرجت عن حدود الجزيرة العربية، وقد نتج عن هذا التأثر فقدان الاختلاف في نظم التربية في الأمصار الإسلامية، مما ساعد على تماسك الإمبراطورية الإسلامية سياسيًّا وعقليًّا زمنًا طويلاً، ثُمّ استمرار الوحدة الروحية والعقلية بعد ذلك، وساند ذلك نمو حركة النشاط العقلي حين أصبحت اللغة العربية لغة الثقافة والتخاطب، وأيضًا انتفاع المسلمين بالنقل والترجمة.
وحين تطور المجتمع بعد ذلك تأثرت التربية بهذا التطور، الذي تمثل في اتساع الأفق الفكري، ووفرة المحصول العلمي، واختلاف المذاهب والآراء، وما نجم عن البذخ والثراء من إغراق في الملذات، واضطراب الحياة الاجتماعية واتساع المناهج، وتعدد المذاهب الفلسفية والدينية.
ويمكن تلخيص الطابع العام للتربية الإسلامية في أنّ عنايتها تجلت في نزعتها المثالية في تقديم العلم والحث على طلبه، وفي الاهتمام بالفضائل الخلقية، ثم في مرونتها في طرق التحصيل، واصطباغها بروح الديمقراطية التي قضت على الفروق بين الشعوب والأجناس والطبقات في مجال التعليم والدين، وإعطاء الأفراد فرصًا متساوية في التحصيل لما تكتمل في كثير من الأمم الحديثة.
أغراض التربية
ــــــــــــــــــــــــ
اشتملت التربية الإسلامية على عديد من الأغراض تلخصها عبارة النحوي في «جامع بيان العلم» حين يقول: «اطلب العلم، فإنّه عون في الدين، ومذك للقريحة، وصاحب لدى المحنة، ومقيد للمجالس، وجالب للمال»، فأوّل هذه الأغراض هو الغرض الديني، فمنذ أن نزل القرآن الكريم، وهو مرجع المسلمين في أمور العبادة والتشريع والحياة الاجتماعية، بشتى مظاهرها، وإليه يعود الفضل في انتشار القراءة والكتابة، وتأسيس المدارس، ونشأة العلوم المختلفة لخدمته وتفسيره وفهمه.
على أن الطابع العام للتربية عند المسلمين لم يكن دينيًّا محضًا، كما كان عند الإسرائيليين في الصدر الأول من تاريخهم، ولم يكن دنيويًّا محضًا كما هو الشأن عند الرومان مثلاً، وإنّما كان يلائم الدين والدنيا، فكانت التربية تهدف إلى إعداد النشء للحياة وللآخرة معًا في إطار الآية الكريمة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه».
وقد هدفت التربية بجانب الدين والأخلاق إلى معان اجتماعية عبرت عنها مأثوراتهم، قال مصعب بن الزبير لابنه: «تعلم العلم فإن يكن لك مال كان لك جمالاً، وإن لم يكن لك مال كان لك مالاً»، ويقول عبد الملك بن مروان لبنيه: «يا بَنيّ تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطًا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم»، ونجد أنّه حينما بدأ العلماء يكثرون ويتميزون في علومهم تبعًا لنمو الحركة العلمية، وازدهارها ظهرت طبقة جديدة في المجتمع هي طبقة العلماء التي نالت مكانة رفيعة عند الخلفاء والأمراء، مما دعا الناس إلى الإقبال على التعلم لينالوا هذه الحظوة.
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: «إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذًا في نفسه فيكون مطلوبًا لذاته، ووجدته وسيلة إلى الدار الآخرة وسعادتها، وذريعة إلى القرب من الله تعالى، ولا يتوصل إليه إلا به، وأعظم الأشياء رتبة في حق الآدمي السعادة الأبدية، وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها، ولن يتوصل إليها إلا بالعلم والعمل، فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم، فهو إذن أفضل الأعمال».
ولقد وهب كثير من العلماء حياتهم للعلم تحصيلاً وتدوينًا لا لشيء سوى الإيمان بتحصيل العلم واستشعار اللذة في تدوينه، كما عبر عن ذلك بقولهم «كفى بلذة العلم والفقه والفهم داعيًا وباعثًا للعامل على تحصيله»، وقول بعضهم: «من تعلم علمًا للاحتراف لم يأت عالمًا، وإنما جاء شبيهًا بالعلماء»، ومن أجل ذلك كان احتمالهم للمشقات وارتحالهم في طلب العلم ليطفئوا ظمأهم إلى المعرفة.
ولم يكن مبدأ أخذ أجر موضع نقاش بين علماء المسلمين، فكان من زيادة التدين أن ظهر التحرج من الأجر في العلوم الدينية المباشرة كتحفيظ القرآن، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفدي بعض الأسرى نظير قيامهم بتعليم بعض أطفال المسلمين القراءة والكتابة، مما يوضح أنّ المبدأ صحيح في ذاته.
هذا وقد كانت وظائف القضاء والتعليم غايات سعى إليها كثير من الناس وأعدوا أنفسهم لها، وكان ابن سينا من أنصار الغرض الكسبي في التربية: «إذا فرغ الصبي من تعليم القرآن وحفظ أصول اللغة، انظر عند ذلك إلى ما يُراد أن تكون صناعته، فوجهه لطريقه، بعد أن يعلم مدبر الصبي أن ليس كل صناعة يروحها الصبي ممكنة له مواتية، لكن ما شاكل طبعه وناسبه».

قضايا التربية .. صلب الفكر الإسلامي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من المؤكد أنه على المدى الطويل الذي امتد حوالي عشرة قرون أي ما بين (100 - 1000هـ)، وعلى اتساع رقعة العالم الإسلامي، برزت شخصيات تربوية عظيمة، نهج بعضهم أسلوبًا تربويًّا في تآليفه كالإمام الشافعي في "الرسالة"، وبعضهم تعمّق في بحوثه النفسية والإرادية كالغزالي والمحاسبي وكثير من الصوفية، وبعضهم حلل المدركات البشرية وماهية العقل والنفس كالكندي الفيلسوف في المشرق، وابن طفيل وابن باجّه في المغرب (خاصة في قصتيهما "حي بن يقظان" و"تدبير المتوحد"). حتى إن المدرسة العقلية في تفسير القرآن عنيت بالجانب الإدراكي لدى الإنسان عناية خاصة، وفي طليعة أعلامه الفخر الرازي والنسفي والبيضاوي. وهؤلاء الذين أدركوا أغوار النفس وأبعاد الذات، كانت لهم تأملات تربوية، وأهداف تعليمية، وقواعد بنائية في النفس والإرادة أغنتْ نظراتهم الشمولية في الكون والنفس والحياة. لقد أظهر أئمة التربية المسلمون فهمًا كبيرًا للأسس السيكولوجية للتربية الخلقية، وكان لهم في ذلك طريقان: أوَّلهما الاهتمام بالوسائل الدافعة المتمثلة في القدوة الحسنة، والبيئة الصالحة والتشجيع والترغيب والملاينة. والأمر الثاني هو الاهتمام بالوسائل المانعة كالاتعاظ بالغير، والعقاب عند الضرورة. إن كثيرًا من دوافع السلوك لدى الطفل -كما تقرر التربية الحديثة- يتكون عن طريق الخبرة والتفاعل مع البيئة. ونحن إذا ما هيأنا للطفل المجال الصالح، فنحن بذلك نزوده بعدد كبير من الدوافع التي تتطلب منه الرغبة في التفكير والعمل. وواجب المدرِّس أن يبذل اهتماماته لتنمية دوافع الطفل ليستطيع بذلك أن يحقق الأهداف التي يبتغيها من التربية.
المدرس .. الركن الأساس في عملية التربية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولكن استغلال الدوافع عند الأطفال ليس أمرا يسيرًا، فإنه يقتضي توفر قدرة وموهبة خاصة في المدرس. وقد رأينا العناية البالغة التي دعت إليها التربية الإسلامية في اختيار المدرس، والإفاضة في رسم ملامح شخصيته بدقة، والتشدد الذي يفضي أحيانًا إلى المبالغة لاستخراج مثالية معينة في المدرس؛ لكي يستطيع أن ينهض بواجبه كاملاً، وبمسئولياته الجسيمة في تنشئة التلاميذ وتهذيبهم.
وإنّ دعوة المدرسين إلى ملاحظة الفروق الفردية بين التلاميذ، ومراعاة الاستعدادات المختلفة عندهم، تشكِّل دعوة مهمة وضرورية في هذا المجال. فإن المعلم إذا لم يكن مزوَّدًا بقدرات ومواهب معينة لا يمكن أن يكون له التأثير النافع في تحقيق الغايات التربوية؛ ذلك لأن كثيرًا من الصعوبات التي تواجهه نتيجة للتباين والاختلاف في خبرات التلاميذ السابقة، وتداخل العوامل النفسية وتعقدها.. كل ذلك يتطلب منه قدرًا كبيرًا من الذكاء وحسن التصرف.
إن الإفراط في الثناء أو المدح قد يفضي بالطفل إلى حالة من الثقة تؤدي به إلى الاكتفاء بما عنده، وعدم الرغبة في بذل أي مجهود مما تكون نتيجته بالنسبة للطفل انحطاط مستوى التحصيل لديه. ومثل ذلك يكون في الإفراط في العقاب أو اللوم الذي قد يفضي بالطفل إلى حالة من اليأس أو عدم الاكتراث، وبذلك تصبح البواعث لدى كل منهما معطِّلة، وليس لها أية قوة دافعة. كما أن للمدرس شأنًا كبيرًا في إثارة دوافع التلاميذ، ويكون ذلك عن طريق تأسيس روح الوئام والحب بينهم، والاجتماع لتبادل الرأي فيما يعرض لهم من مشكلات. وفي الواقع، إن حب التلميذ لمعلمه يدفعه إلى الجد في مادته لكي يفوز برضاه، وهذا ما تقرره التربية الحديثة.
يقول الرشيد لمؤدِّب ولده الأمين: "لا تَمُرَّنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقَوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما، فعليك بالشدة والغلظة". ويتحدث "إخوان الصفا" عن تأثير القدوة في التربية وفي تكوين العادات الطيبة حين يقولون: "واعلم أن العادات الجارية بالمداومة عليها تقوِّي الأخلاق المشكِّلة لها، كما أن النظر في العلوم والمداومة على البحث عنها، والدرس لها، والمذاكرة فيها، يقوي الحذق بها والرسوخ فيها، وهكذا حكم الأخلاق والسجايا".
كما نجد الإمام الغزالي قد دعا إلى تعديل العادات الضارة، واقتلاع جذورها من النفس، مسايرة منه لفلسفته في مجاهدة النفس، فيذكر في رسالته "أيها الولد" الحاجة إلى المربي الذي يستطيع أن يخرج بتربيته أخلاق السوء من نفس تلميذه، ويجعل مكانها خُلقًا حسنًا. ومعنى التربية يشبه فعل الفلاّح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه. ثم يتحدث عن تأثير القدوة وأنه ليس كل مربٍّ صالحًا للتأثير في تلاميذه، فإن المربي الفاضل هو من يستطيع أن يجعل من خلقه وسلوكه نموذجًا للاهتداء به؛ لأنه كما يقول الغزالي: "من اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا، فينبغي أن يأخذ نفسه بالشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، وأن لا يدع من نصح المتعلم شيئًا، وكذلك أن لا يقبِّح في نفسه العلوم التي لا يقوم بتدريسها، وأن يكون المعلم عاملاً بعلمه فلا يكذب قوله فعله؛ لأن العمل إذا خالف العلم منع الرشد. ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل الظل من العود، ومتى استوى الظل والعود أعوج؟!".
المستويات العقلية وزمن الدرس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي مراعاة المستويات العقلية للطلاب يقول النووي: "وينبغي أن يكون باذلاً وسعه في تفهيمهم، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، حريصًا على هدايتهم، ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه؛ فلا يعطيه ما لا يحتمله، ولا يقتصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كل واحد على قدر درجته، وبحسب فهمه وهمته. فيكتفي بالإشارة لمن يفهمها فهمًا محققًا، ويوضح العبارة لغيره، ويكررها لمن لا يحفظها إلا بتكرار. ويذكر الأحكام موضحة بالأمثلة من غير دليل لمن لا يتحفظ له الدليل، فإن جهل دليل بعضها ذكره له ويذكر الدلائل لمحتملها". وفي زمن الدرس المتوسط والمناسب للمادة العلمية، يقول السمعاني: وينبغي للمملي ألا يطيل المجلس الذي يرويه، بل يجعله متوسطًا؛ حذرًا من سآمة السامع وملله، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله، فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد فيما بلغني: "من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرَّض أصحابه للملال وسوء الاستماع، ولأن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها، أصلح من أن يفضل عنه ما يلزم الطالب استماعه من غير رغبة فيه ولا نشاط له".
العقوبة .. حدودها وضوابطها
ـــــــــــــــــــــــــ أما العقاب وأضراره، فقد شغل حيّزًا كبيرًا من اهتمام التربويين المسلمين، فلم يسمحوا به إلا عند الضرورة؛ لأنهم رأوا في الضرب المبالَغ فيه نوعًا من الانتقام والتشفِّي، وقد نهى الفقهاء عن الضرب والتشفي. وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً عن أضرار الشدة على المتعلمين؛ لأنه رأى أن "إرهاف الحدّ بالتعليم مضرٌّ بالمتعلم سِيَّما في أصاغر الولد، لأنه من سوء الملكة. ومن كان مَرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدَم سطا به القهر، وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وعمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقًا".
وبعد أن يحلل ابن خلدون هذه المضار التي تنشأ عن الشدة في تكوين الصبي واكتسابه للعادات الضارة، يتقصَّى الأضرار الاجتماعية التي تتأثر بإيجاد هذا السلوك عند الطفل كنتيجة للعقوبة والشدة؛ فيرى أن نتائج هذه التربية النامية في مجالات القوة تؤدي بدورها إلى إفساد المعاني الإنسانية للصبي "من حيث الاجتماع والتمرّن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنـزله"، فيصبح بذلك على حد تعبير ابن خلدون "عِيالاً على غيره في ذلك"؛ لأن الغرض الذي ينبغي أن تهتم به التربية من توجيه سلوك الفرد لمواجهة الحياة يَخبو بتأثير هذه الشدة، وينحرف عن مجاله السديد. ثم يمضي في تبيان الأضرار التي تصيب نفس الصبي، فتشلّها عن اكتساب الفضائل والأخلاق الطيبة، وبذلك تنقبض عن غايتها ومدى إنسانيتها ويصيبها الارتكاس.
المربي المسلم .. قمة في صناعة التربية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لقد أفاض هؤلاء المربون في شرح طرق معاملة الصبيان وتأديبهم، واهتموا اهتمامًا بالغًا بالتنويع في طرق التهذيب ومقتضياتها. فقد دعا الغزالي إلى تكريم أخلاق الصبيان الحميدة ومدحها، كما دعا إلى التغافل عن أخطائهم، فإذا ما تكررت عوتب الطفل عتابًا رفيقًا، وعُدَّ ذلك من دقائق صناعة التعليم، "فإنّ التصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم، ويهيِّج الحرص على الإصرار". إن هذه الألوان المنوعة التي دعَوا إليها في معاملة الصبيان لا تحتاج إلى بيان أهميتها في تربية شخصياتهم، وتنمية النوازع الطيبة في نفوسهم. وهذه الدعوات المستفيضة في رعاية الصبيان وبثّ الخير في نفوسهم، إنما تنبثق من فهمهم الناضج لطبيعة الأطفال، وكذلك رغبتهم المخلصة إلى أبعد الحدود في نشر العلم والترغيب فيه، واحتمال الجهد في سبيل تقريبه من النفوس، وإذاعته بين الناس، وأخيرًا شدة استمساكهم بالأخلاق القويمة التي طبعت سلوك هؤلاء العلماء والمربّين، وضربهم الأمثلة الرائعة في التضحية بملذات الحياة، والاعتزاز بكرامة العلم إيثارًا للحياة البسيطة على ابتذال ثقافتهم ومثلهم وأخلاقهم التي كانت أعظم ما يتحلَّون به.وكان من أبرز هذه الصفات التي اتصف بها أولئك المربّون التواضع، الذي كان من أبرز دلالاته أنْ وجّهوا المعلم إلى أنه إذا غاب بعض الطلبة غيابًا زائدًا عن العادة، فإنه يجب عليه أن يسأل عنه، وعن أحواله وعمن يتعلق به، فإن لم يُخبره عنه أحد أرسل إليه، أو قصد منـزله بنفسه وهو أفضل؛ "فإذا كان مريضًا عاده، وإن كان في غمٍّ خفض عليه، وإن كان مسافرًا تفقد أهله ومن يتعلق به، وسأل عنهم، وتعرض لحوائجهم ووصلهم بما أمكن، وإن كان فيما يحتاج إليه فيه أعانه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد إليه ودعا له".ولعل في دراسة تراثنا التربوي باتجاهاته التربوية المختلفة ما يكشف لنا عن الثابت والمتغير في هذا التراث، وما يكسب الباحثين القدرة على محاكمة هذا التراث والاستفادة من هذا التعدد وهذا التنوع في معالجة قضايا التربية. وإن دراستنا لتلك الاتجاهات سوف تكسبنا الإدراك أنها جميعًا اجتهادات في إطار الإسلام، وأنها جميعًا اتفقت على الجذع المشترك الواحد لتربية الإنسان المسلم في مرحلته التعليمية الأولى، بعد ذلك تأتي مرحلة التخصُّص، وهنا تظهر تلك الاتجاهات التربوية المختلفة في التربية الإسلامية، كما تعكسها كتب التراث التربوي المعروفة لنا حتى الآن. ....
ظهور المؤلفات التربوية
ــــــــــــــــــ
ويظهر أن أقدم مؤلف تربوي للإمام أبي حنيفة النعمان (80 - 150هـ) «العالم والمتعلم»، وقد اتّخذ هذا الكتاب أسلوب الحوار والمناقشة بين المعلم وبين الطالب في قضايا الدين عقيدة وفقهًا، وكان لشخصية الجاحظ أبي عثمان (163هـ/255م) تلك الشخصية الموسوعية جانب تربوي يتندر فيه على فئة من المعلمين الذين ليسوا أهلاً للقيام بأعباء تلك المسئولية، والمعوقات الأدبية والاجتماعية والفنية التي تقف حائلاً بين المعلم ونجاحاته التربوية، وقد جمع ذلك في كتابه «المعلمين»، وبعد الجاحظ بقليل يبرز فقيه محدث هو أبو بكر بن عمر البلخي (280هـ) وينحو في مؤلفه «العالم والمتعلم» منحى الموضوعات في العقيدة والفقه والأدب، من غير أن يعرض إلى آداب العالم والمتعلم.
أما الخطيب البغدادي (392- 462هـ)، الحافظ والمؤرخ صاحب الفكر المنظم والإنتاج المتنوع، فله في المجال التربوي كتابان «الفقيه والمتفقه» في اثني عشر مجلدًا جمعها وعلق عليها، وكان لابن عبد البر (368 - 463هـ) وهو الفقيه الباحث والأديب الأريب مؤلف مهم احتفل به العلماء من بعد، وهو «جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله»، أما حجة الإسلام الإمام الغزالي (450- 505 هـ) الفيلسوف والمتكلم والصوفي، فمن أهم مؤلفاته التربوية كتابه «أيها الولد» وكثير من الرسائل التربوية الأخرى، فضلاً عن جوانب تعليمية وتربوية في مؤلفاته الصوفية والكلامية الكثيرة، مثل ميزان العمل، ومعيار العلم، وبقية رسائله الصوفية الكبيرة والصغيرة.
ثم تعاقب أعلام في التربية كان لهم دورهم في تركيز المفاهيم التربوية وتفصيلها، فقد أخذ السمعاني (506 - 562هـ) وهو المؤرخ والحافظ وصاحب كتاب «الأنساب» المشهور جانبًا تربويًّا في بيان أهمية الكتابة، وتصنيف العلوم وآداب المملي والمستملي، وكتابه «أدب الإملاء والاستملاء»، كما اهتم الإمام والمحدث النووي بآداب العلم والعالم والمتعلم، وعلى الرغم من غلبة الفقه والحديث وعلم الرجال على تآليفه، فقد شغل أكثر من أربعين صفحة مقدمة للكتابة، اعتمد عليها كثير من العلماء الذين اشتغلوا بالعلم والتربية فيما بعد.
وكان عبدالله بن محمد البلخي (611 - 698هـ) في كتابه «العالم والمتعلم» على نسق الرسائل والكتب التربوية السابقة، ثم توالى العلماء المسلمون المهتمون بالجوانب التربوية، إضافة إلى النواحي العلمية والأكاديمية في كتبهم ومؤلفاتهم، وعلى رأس هؤلاء ابن حجر الفقيه والباحث شيخ الإسلام في مصر، خاصة في رسالته «تحرير المقال في تربية الأطفال»، وبدر الدين الغزي (904 - 984هـ) الدمشقي، خاصة في مؤلفه «الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد»، وهو من أوعب المؤلفات التربوية في التراث، وقد اختصره عبد الباسط بن موسى بن محمد العلموي (981هـ) في مؤلف سماه «المعيد في أدب المفيد والمستفيد».
وفي القرن العاشر الهجري قدم طاش كبرى زاده، المؤرخ والعالم، رسالة جامعة في وصف العلوم النافعة، ومفتاح السعادة، ونوادر الأخبار في مناقب الأخيار، وغيرها، أما ابن خلدون فإن الظواهر التربوية احتلت مكانًا مهمًّا في كتابه الشهير«المقدمة»، فهو لم يهمل الكلام عن ضروراتها وأسسها ومشكلاتها، بل أكد على أنّ العلم والتعليم من ضرورات العمران البشري ووجودها فيه أمر طبيعي، وأنّ تعلم العلم صناعة تختلف طرق المعلمين فيها باختلاف زمنهم وبلادهم.
والظاهر أنّ تأكيده على أن تربية الأطفال والكبار في الأمصار الإسلامية خلال عصره تختلف باختلاف كل مصر منها، يجعل من هذه الظواهر التربوية، أعرافًا تتخذ بشكل أنظمة قائمة ومحددة بذاتها، ولعل هذا التأكيد جاء نتيجة لمشاهداته في البلدان التي عرفها وعاش فيها، كما استعان في كل ما كتب عن النواحي التربوية بضرب أمثلة حية ملموسة عن واقعها مما لا يجعل لآرائه أن تتخذ أسلوب نظرية مبنية على الخيال، بل نتيجة سعيه وتجاربه، وهي على وجه العموم سليمة ومعقولة وخصوصًا فيما يتعلق بالربط الذي أحكمه بين التربية والحضارة، فهذا يدل على شدة ملاحظاته وعمق تفكيره
المصادر
ـــــــــــــــ
1- القران الكريم
2-المقدمة لابن خلدون
3- التربية عند العرب - محمد فوزي
4- نذير حمدان - في التراث التربوي
5- مدخل في التراث الاسلامي - عبد السلام هارون
6-محمد محفوظ - التراث في الحضارة الاسلامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.