لما تعرف الملائكة على سلوك أبناء البشر على الأرض ، وكيف يتركون كل ما يدعو إلى الفرح والبهجة والسرور ، و كيف يميلون إلى ارتكاب كل الأفعال المحزنة ،القاسية التي تبعث على البؤس والشقاء والألم بدل النعيم والسعادة ،مستهترين بما من الله تعالى عليهم من نعم والتي هي مصدر سعادتهم ،
من أجل ذلك كله قرروا إخفاء السعادة عن الآدميين في مكان يصعب إيجادها فيه حتى يبذل بنو البشر جهدهم الكبير في البحث عنها لكي يعثروا عليها ، ولكي يعرفوا قيمتها ويتمسكوا بها بدلا من هدرها ، ويكون ذلك بمثابة درس منهم لمن لا يعرف معنى السعادة .
لكن ذلك لم يكن شيئا سهلا ، فقد فهموا أن الأمر من الصعوبة بمكان .
احتاروا ، وفكروا كثيرا في المكان المناسب ليخفوا فيه السعادة ، لكنهم لم يستقروا على رأي ،
عقدوا اجتماعاتهم المتعددة ،استشاروا وبحثوا ، لكنهم لم يصلوا إلى أي قرار ،
انبرى منهم من يشير بوضعها في قعر بحر الظلمات ،
وقال البعض نضعها على أعلى قمة جبلية في الكون ، وهناك من أشار إلى دفنها بقرب نواة الأرض ، أو أخذها ووضعها على سطح القمر،
وهكذا تضاربت الآراء لكن لم يقبل منها أي واحد ،
وبعد مرور شهور من الأخذ والرد ،
خرج ملاك من بين الملائكة وذهب باتجاه المنبر في أحد الاجتماعات وقد بان تردده وخوفه من رفض رأيه ،
وقال بصوت خافت :
ـــ نضعها داخل بني البشر . ففي اعتقادي أنهم لن يخطر على بالهم أننا أخفينا سعادتهم بداخلهم .
خيم صمت و سكون كبير على الجميع ، وهم مبهورون بالفكرة وأهميتها.
وبعد لحظات سمع دوي تصفيق حاد لقبول الفكرة وعمقها ونجاحها لا محالة .
منذ ذلك الحين وجميع البشر في بحث دائم عن السعادة ولا يعلم بسرها الدفين في صدره إلا من بين الله تعالى له طريقه ليكتشفها في أعماقه و وأنار مسلكه ليجدها نابعة من داخل جوارحه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.