الاثنين، 25 فبراير 2019

رحلتي مع الكتاب بقلم/ فؤاد زاديكى

رحلتي مع الكتاب
بقلم/ فؤاد زاديكى
بدأت رحلتي مع الكتاب من المرحلة الابتدائيّة, عندما كنت ابن السنوات العشر, ومنذ ذلك التاريخ فإنّ التواصل لا يزال على حيويّته دون انقطاع فلم يخبُ وهجه أو يفترْ حماسه. وقصتي مع الكتاب لها مواقف شجن كما مواقف شعور بالحزن و الغمّ الشديدين, إنّي أذكرُ تمامًا كيف كنت باليوم الواحد و أنا في المرحلة الابتدائيّة أُنهي قراءة كتاب كامل وخاصّة أنّ الذي كنتُ أقرؤه في تلك الأيام كان مثار اهتمام كبير و باعثَ تشوّق دائم, إذ كنت أقرأ القصص الشعبيّة المعروفة في ذلك الزمان و هي قصص مثل قصة (حمزة البهلوان فارس العرب و الحجاز) و (فيروز شاه ابن الملك ضاراب) و (رستم ابن زال) و (عنتر ابن شداد) و (الزير سالم) و (مجراوية الزير) و (سيرة بني هلال) و (تغريبة بني هلال) و (ألف ليلة و ليلة) كما كنت أقرأ قصص طرزان و قصص أرسين لوبين و أجاثا كريستي وعندما اعتنقت الماركسيّة انصبّ اهتمامي أكثر على كتب السياسة و علم الاجتماع و الفلسفة كما بدأت بقراءة أدب الكتّاب الرّوس أمثال (تولستوي) و(تشيكوف) و (تورجنيف) و (غوركي) كما كتّاب عالميين آخرين أمثال (شكسبير) ومن الكتّاب العرب (يوسف السباعي) (المنفلوطي) و(طه حسين) و (نجيب محفوظ) و غيرهم. أما موقف الحزن فإنّ معلّمي في المرحلة الابتدائية المرحوم (حنّا شيعا) كان يعلم بتفوّقي في المدرسة و يشيد على الدوام بذلك فهو لاحظ في تلك الأثناء بأنّ تراجعًا حصل لديّ في المدرسة ممّا جعله و بدافع محبّته لأنْ يشكوني لوالدي, الذي شعر هو الآخر بصدمة, و حين علم بأنّ قراءتي اليوميّة و المتواصلة للقصص الشعبية والكتب الأخرى هو السبب في ذلك, فإنّه أقبل في ذات يومٍ على كلّ تلك الكتب ليمزّقها بكلّ غيظ و غضب ثم يرمي بها في المدفأة لتحترق أمام عيوني و أنا أنظر إليها بخوف و حزن وكأنّها أشلاء من أحبّ و هي تتحوّل إلى رماد دون أن أستطيع فعل شيء, أفهم جيّدًا أنّ تصرّف والدي المرحوم (كبرو زاديكى) كان بدافع الحرص على مصلحتي, لكنّي في تلك اللحظات لم أستطع استيعاب ذلك و لا فهمه أو تبريره.
وفي مرحلة إعداد المعلّمين انكببتُ على قراءة الدواوين الشعرية (أحمد شوقي) (المعري) (رباعيات عمر الخيّام) (البحتري) (عمر ابن ابي ربيعة) (قيس ابن الملوح) (المتنبي) و (أبو نواس) ولشعراء النهضة كما الشعر الجاهلي والعباسي والأموي والأندلسي وشعر المهجر ومعظم الموسوعات ودوائر المعارف وغيرها كثير جدًّا.
لا أستسيغ كثيرًا قراءة الكتاب الالكترونيّ, لكن عندما لا يتوفّر الكتاب الورقي للبحث عن المادة المطلوبة فإنّ قراءته تكونُ مفيدة بشكل أو بآخر. و إحساسي بالكتاب حين أمسكه بين يديّ و أضمّه إلى صدري يكون إحساسًا مُعاشًا وكأنّ الكتاب صديق أو عشيقة, و حين أقلّب صفحاته بعد الانتهاء من صفحة مقروءة ينتابني شعور غريب وكأنّني أنجزت خطوةً في مسيري و أكاد لا أشعر بالوقت كما بالجوع والعطش.
الكتاب أنيس وجليس, ومن خلال قراءتنا له نشعر بعلاقة فكريّة – روحيّة – وجدانيّة قائمة بيننا و بين الكاتب ونحن نتلمّس أفكاره وندخل في عالم تصوّراته ورؤاه المطروحة. وكلّ كتاب هو عالَمٌ بحدّ ذاته, يكشف لنا معارف ومعلومات جديدة فنكتسب منه خبرة ودراية. لكنْ وللأسف فإنّ الإقبال على قراءة الكتاب الورقي لم تعد كما كانت سابقًا بفعل التكنولوجيا الحديثة وما يتوفّر لدى الجميع بواسطة الانترنت وغوغل و محركات البحث الأخرى.
للمطالعة نكهة مميّزة وخاصّة وعشقُها لا يقلّ عن عشق الجنس الآخر, فمن خلالها تتكوّن شخصيتنا الفكريّة, وتتبلوّر وجهاتُ نظر وتتّضحُ مواقف وتُكتَشفُ معلومات وتزداد خبرة القارئ وتتسّع مداركه الثقافية و تتفرّع كما تتفاعل ومن خلال هذا الكسب تتكوّن لديه مهارةٌ وقدرة على التعامل مع مختلف ظروف الحياة والتأقلم مع مستجداتها.
للكتاب أهميّة كبيرة في حياة الناس, وأعلم بأنّ ظروف الحياة القاسية و المشاغل الكثيرة للناس, لا تجعلهم يقبلون على قراءة الكتاب الورقي, بسبب عالم الانترنت الأوسع انتشارًا والأسهل وصولًا إليه, لكنْ يبقى للكتاب جماله ورونقه وخصوصيّته التي لا يمكن أن يُعوّض عنها الكتاب الالكتروني الواسع الانتشار في هذه الأوقات. لكلٍّ منّا ذكرياتٌ مع الكتاب وعالم الكتب, وأذكر ذات مرّة انّي وصديقي (عيد اسحق عيدو) ذهبنا معًا إلى إحدى المكتبات فأعجبنا بكتاب ورغبنا في الحصول عليه, وحين لم تكن لدينا النقود الكافية لشرائِه, فإنّنا قمنا معًا بسرقتِه, نعتذر من صاحب المكتبة الأستاذ (فؤاد رازاي) بعد انقضاء ما يزيد عن الستين عامًا.

ألمانيا في
25/2/2019
__________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.