رثاء قلب نابض
حينما يموت إنسان عزيز علينا نعيش مرارة الفقد اللاذعة بمراحلها الثلاث: صدمة وذهول يتلوها عويل وحداد يتخلله استعراض لشريط الذكريات المشتركة واللحظات الفريدة بحلوها ومرها ، وأخير استسلام للقدر وقبول مذعن لإرادة الله. وكنت انا شخصيا كنت اعتقد هذا الشعور هو الأصعب على الإطلاق.
وتمر الأيام بسطوتها والدقائق بطغيانها لأكتشف أن الأكثر آيلاما في عالمنا بسرمديته هو دفن الأحياء في تربة أيامنا التي لا نريدهم أن يكونوا جزءا منها بعد الآن. نعم بعد هذا الإدمان المزمن على وجودهم وهذا التشبث المؤلم برنة أصواتهم التي أصبحت تشي بقسوتهم ونحن لا زالنا نمارس المكابرة المتغرطسة لنحتفظ بهم. يغرسون الأشواك في صدورنا عاما بعد عام ، ويذبحون فينا كل نبضاتنا البريئة التي طالما خفقت بحبهم ونحن نقول ربما هو الشيطان يريد أن يزرع بيننا العداوة والبغضاء. نجرجر كبريائنا الذبيح نحوهم فيجهزون عليه. نبتعد عنهم لنحمي صدورنا فيطعنون ظهورنا. نقول ربما ظروفهم ربما لم نحسن الظن بهم . نعرف في أعماقنا أننا لا نعني لهم شيئا أكثر من مصلحة آنية فنلتمس لهم الأعذار. تتوالى الضربات يتحشرج الألم في مهجتنا. لم يعد هناك متسع من المسامات لجراح جديدة. عند هذه اللحظة الحزينة تطاردنا أشباح حقدهم الأسود ، نهرب منهم نحو ذواتنا التي ضحينا بها لنتشبث بأستار مهترئة لا تلبث أن تجعلنا غير قادرين حتى على التحديق بهم مجددا. نعلن خبر وفاتهم ، نعذب أنفسنا بذكر إسائاتهم الغابرة والطازجة، تنتحب أرواحنا قبل أجسادنا، شيء ما يحترق ويحرق في نياط قلوبنا فتتمزق وجعا. يصعد الألم نحو بؤبؤ العين ، يستشيط غضبا ويحمر وجعا نبكي فلفلا أحمرا وتجف المآقي. نصرخ صرخة طويلة عميقة على شاهد قبرهم الذي حفرناه لهم في تربة أيامنا . ثم نهدأ ولا نلتفت الى حيث يسكنون. أرأيتم هو الموت ذاته. ولكن الفرق هنا أنا لا أود أن أتذكر ولا أريد حتى أن أقرأ الفاتحة ولن أطلب لهم الرحمة. الموت لهم والحياة لقلوبنا المعذبة لأنها تستحق العيش دونهم. أرقدوا لا مأسوفا عليكم فقد وجدنا السلوى دونكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.