دراسة نقدية للأستاذ الشاعر والإعلامي سيد حسن
الفنى والمقدس فى أدب عصام قابيل
عصام قابيل.... أديب صاحب طابع خاص، يخوض تجربة إبداعبة ذات طابع شديد الخصوصية.
أول ما يلفت نظرك فى تجربته الإبداعية هو ذلك التداخل البيِّن بين ما هو أدبى وما هو دعوى، وأول ما يلفت نظرك فى شخصيته الأدبية هو ذلك المزج بين القاص والخطيب، بين الروائى والداعية.
لا تندهش إذا حضرت إحدى الندوات والأمسيات، وقدمه مدير الندوة كقاص، فخرج دون ورقة فى يده، وكأنه يحفظ قصته عن ظهر قلب، ثم لا تندهش إذا حضرت أمسية أخرى، وقدمه مديرها مجدداً ليقرأ قصته، فإذا به يقرأ القصة ذاتها ولكن بإيقاع كتابى جديد، فثمة كلمة مختلفة هنا، وثمة تعبير أعيد تشكيله هناك، وثمة تقديم هنا وتأخير هناك.
ليس لك أن تندهش فهذا دأبه، وهذه مهارته التى يتقنها تماماً، ولكن لك طبعاً أن تطرح على ذاتك عدداً من الأسئلة المشروعة التى تثيرها تجربة عصام قابيل هذه بخصوصيتها الفريدة:
هل يحفظ القاص الذى معنا قصصه فعلا كما يحفظ الشعراء قصائدهم؟ أم أنه يرتجلها ارتجالاً؟ أم يعيد كتابتها فى كل مرة يلقيها فيها على سامعيه؟
هل تظل فكرة قصته هى الأهم، وتبقى فصاحة لغته واستقامتها هى المقدمة على كل ما سواها من تقنيات الكتابة القصصية، بحيث يعتمد على هذه اللغة المستقيمة الفصيحة فى التعبير عن فكرته الساطعة فى ذهنه سطوعاً بيناً، والتى كان قد أعد لها ما يشبه "الحبكة" القصصية مسبقاً ثم ترك للسانه الفصيح أن يبتكر فى كل مرة البناء القصصى الذى تمنحه إياه اللحظة بطبيعتها المختلفة ومستمعيها المختلفين؟
هل يقطع المسافة ذهاباً وعودة ما بين القاص والخطيب أثناء إلقائه لقصته، أو بالأحرى إعادته كتابتها من جديد، بحيث يحضر هذا مرة، وذاك مرة، ويحضران معاً أو يتصارعان من أجل الحضور مرات ومرات؟
إذا كنت مثلى ممن يعتقدون أن تداخل الأيديولوجى والدعوى بالفنى يمكن أن يمثل خطراً حقيقياً على الإبداع، وأن الحضور الحقيقى للأيدولوجى ينبغى أن يبقى هناك، فى قاع وعى الكاتب، وفى عمق ذاته وتجربته، حتى لا يحيل العمل إلى لون من الخطابية الزاعقة، أو يوقعه فى فخ المباشرة وشرك اليقين القاتل، أقول إذا كنت مثلى من هؤلاء، فإن عليك أن تقرأ عصام قابيل فى قصصه ورواياته لتعيد مناقشة هذا الاعتقاد من جديد.
هذا قاص نذر تجربته الإبداعية من أجل الرسالة التى يسعى إلى إيصالها، فالفكرة عنده مقدمة على كل ما سواها، والمعنى عنده يتقدم على كل ما عداه، والغاية عنده تفوق الوسيلة بصورة لا مراء فيها.
لكن هل يعنى هذا أن ما يقدمه عصام قابيل يبتعد عن منطقة الإبداع الأدبى؟
لو كان الأمر بهذه البساطة لما كتبت أنا هذه الكلمات ولما قرأتها أنت، ولقلنا إنه خطيب مفوه يملك خصائص إبداعية تزيد خطابته تأثيراً، وكفى.
لكن الحقيقة أن ما يقدمه عصام قابيل فى ميدان القصة القصيرة هو أدب بمعيار الأدب، وهو قص بمعايير القص، ولنا بعد ذلك أن نتساءل عن مساحة الدعوية أو الخطابية فى هذا العمل الأدبى، ولكن بعد أن نثبت بداءة أننا أمام عمل أدبى حقيقى، وما أظن أن عصام قابيل سيؤرقه كثيراً أن نكتشف أن المعنى والرسالة والغاية فى أعماله أسطع من كل ما سواها، فهو كما قلت لك قد نذر تجربته لذلك.
السؤال الآن: لماذا نتحدث عن القصة القصيرة عند عصام قابيل ونحن بإزاء عمل روائى؟
والإجابة البسيطة الواضحة تتمثل فى أن القصة القصيرة تكون أكثر اشتباهاً مع الرقائق الإيمانية التى يستخدمها الخطباء فى خطبهم لمنحها قدرة أعلى على التأثير فى مشاعر مستمعيهم ووجدانهم، فإذا ما حررنا موقف القصة عند عصام قابيل وعرفنا موقعها بين الفنى والدعوى، وأيقنا أنها من حيث المبدأ هى قصة قصيرة حقاً، وإن طغت فيها الفكرة والرسالة والغاية واللغة على ما عداها، أصبح الأمر أيسر بالنسبة إلى تحرير مكان الرواية عنده وتحديد موقعها، لأن الرواية أبعد عن الاشتباه مع رقائق الخطبة أو ما شابهها من كتابات دعوية خالصة.
هل نحن بحاجة إلى أن نتذكر أعمالاً كثيرة استظلت بالظل المقدس لا سيما فى الرواية الإسلامية عند طه حسين أو أحمد أمين أو جورجى زيدان أو غيرهم من الأدباء الذين لم يمنعهم الاقتراب من المقدس الدينى من أن يقدموا أعمالاً روائية مهمة؟
صحيح أن عصام قابيل يخطو خطوات أكثر فى الاقترب من المقدس حين يجعل روايته مستظلة دائماً بالنص القرآنى الكريم، وصحيح أنه يقيد خياله الذاتى بقيود أخلاقية وإيمانية ودينية أكثر، لكنه فى كل الأحوال يقدم لك عملاً روائياً يثير لديك العديد من الرؤى الجديدة ويدعوك لأن تختار معه نقاطاً جديدة وزوايا جديدة لرؤية الأحداث التى طالما رأيتها من قبل من زاوية واحدة فقط.
السيد حسن
الشاعر والإعلامى
الفنى والمقدس فى أدب عصام قابيل
عصام قابيل.... أديب صاحب طابع خاص، يخوض تجربة إبداعبة ذات طابع شديد الخصوصية.
أول ما يلفت نظرك فى تجربته الإبداعية هو ذلك التداخل البيِّن بين ما هو أدبى وما هو دعوى، وأول ما يلفت نظرك فى شخصيته الأدبية هو ذلك المزج بين القاص والخطيب، بين الروائى والداعية.
لا تندهش إذا حضرت إحدى الندوات والأمسيات، وقدمه مدير الندوة كقاص، فخرج دون ورقة فى يده، وكأنه يحفظ قصته عن ظهر قلب، ثم لا تندهش إذا حضرت أمسية أخرى، وقدمه مديرها مجدداً ليقرأ قصته، فإذا به يقرأ القصة ذاتها ولكن بإيقاع كتابى جديد، فثمة كلمة مختلفة هنا، وثمة تعبير أعيد تشكيله هناك، وثمة تقديم هنا وتأخير هناك.
ليس لك أن تندهش فهذا دأبه، وهذه مهارته التى يتقنها تماماً، ولكن لك طبعاً أن تطرح على ذاتك عدداً من الأسئلة المشروعة التى تثيرها تجربة عصام قابيل هذه بخصوصيتها الفريدة:
هل يحفظ القاص الذى معنا قصصه فعلا كما يحفظ الشعراء قصائدهم؟ أم أنه يرتجلها ارتجالاً؟ أم يعيد كتابتها فى كل مرة يلقيها فيها على سامعيه؟
هل تظل فكرة قصته هى الأهم، وتبقى فصاحة لغته واستقامتها هى المقدمة على كل ما سواها من تقنيات الكتابة القصصية، بحيث يعتمد على هذه اللغة المستقيمة الفصيحة فى التعبير عن فكرته الساطعة فى ذهنه سطوعاً بيناً، والتى كان قد أعد لها ما يشبه "الحبكة" القصصية مسبقاً ثم ترك للسانه الفصيح أن يبتكر فى كل مرة البناء القصصى الذى تمنحه إياه اللحظة بطبيعتها المختلفة ومستمعيها المختلفين؟
هل يقطع المسافة ذهاباً وعودة ما بين القاص والخطيب أثناء إلقائه لقصته، أو بالأحرى إعادته كتابتها من جديد، بحيث يحضر هذا مرة، وذاك مرة، ويحضران معاً أو يتصارعان من أجل الحضور مرات ومرات؟
إذا كنت مثلى ممن يعتقدون أن تداخل الأيديولوجى والدعوى بالفنى يمكن أن يمثل خطراً حقيقياً على الإبداع، وأن الحضور الحقيقى للأيدولوجى ينبغى أن يبقى هناك، فى قاع وعى الكاتب، وفى عمق ذاته وتجربته، حتى لا يحيل العمل إلى لون من الخطابية الزاعقة، أو يوقعه فى فخ المباشرة وشرك اليقين القاتل، أقول إذا كنت مثلى من هؤلاء، فإن عليك أن تقرأ عصام قابيل فى قصصه ورواياته لتعيد مناقشة هذا الاعتقاد من جديد.
هذا قاص نذر تجربته الإبداعية من أجل الرسالة التى يسعى إلى إيصالها، فالفكرة عنده مقدمة على كل ما سواها، والمعنى عنده يتقدم على كل ما عداه، والغاية عنده تفوق الوسيلة بصورة لا مراء فيها.
لكن هل يعنى هذا أن ما يقدمه عصام قابيل يبتعد عن منطقة الإبداع الأدبى؟
لو كان الأمر بهذه البساطة لما كتبت أنا هذه الكلمات ولما قرأتها أنت، ولقلنا إنه خطيب مفوه يملك خصائص إبداعية تزيد خطابته تأثيراً، وكفى.
لكن الحقيقة أن ما يقدمه عصام قابيل فى ميدان القصة القصيرة هو أدب بمعيار الأدب، وهو قص بمعايير القص، ولنا بعد ذلك أن نتساءل عن مساحة الدعوية أو الخطابية فى هذا العمل الأدبى، ولكن بعد أن نثبت بداءة أننا أمام عمل أدبى حقيقى، وما أظن أن عصام قابيل سيؤرقه كثيراً أن نكتشف أن المعنى والرسالة والغاية فى أعماله أسطع من كل ما سواها، فهو كما قلت لك قد نذر تجربته لذلك.
السؤال الآن: لماذا نتحدث عن القصة القصيرة عند عصام قابيل ونحن بإزاء عمل روائى؟
والإجابة البسيطة الواضحة تتمثل فى أن القصة القصيرة تكون أكثر اشتباهاً مع الرقائق الإيمانية التى يستخدمها الخطباء فى خطبهم لمنحها قدرة أعلى على التأثير فى مشاعر مستمعيهم ووجدانهم، فإذا ما حررنا موقف القصة عند عصام قابيل وعرفنا موقعها بين الفنى والدعوى، وأيقنا أنها من حيث المبدأ هى قصة قصيرة حقاً، وإن طغت فيها الفكرة والرسالة والغاية واللغة على ما عداها، أصبح الأمر أيسر بالنسبة إلى تحرير مكان الرواية عنده وتحديد موقعها، لأن الرواية أبعد عن الاشتباه مع رقائق الخطبة أو ما شابهها من كتابات دعوية خالصة.
هل نحن بحاجة إلى أن نتذكر أعمالاً كثيرة استظلت بالظل المقدس لا سيما فى الرواية الإسلامية عند طه حسين أو أحمد أمين أو جورجى زيدان أو غيرهم من الأدباء الذين لم يمنعهم الاقتراب من المقدس الدينى من أن يقدموا أعمالاً روائية مهمة؟
صحيح أن عصام قابيل يخطو خطوات أكثر فى الاقترب من المقدس حين يجعل روايته مستظلة دائماً بالنص القرآنى الكريم، وصحيح أنه يقيد خياله الذاتى بقيود أخلاقية وإيمانية ودينية أكثر، لكنه فى كل الأحوال يقدم لك عملاً روائياً يثير لديك العديد من الرؤى الجديدة ويدعوك لأن تختار معه نقاطاً جديدة وزوايا جديدة لرؤية الأحداث التى طالما رأيتها من قبل من زاوية واحدة فقط.
السيد حسن
الشاعر والإعلامى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.